Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات بحثية

مناهج البحث في علم النفس


سُمِّي القرن السابع عشر بعصر المناهج؛ إذ ظهر خلاله المنهج العلمي الحديث مستقلاً لأول مرة، وبدأت بعدها التطورات على مناهج البحث، فعلى يد الفيلسوف “كارل بوبر” ظهر المنهج الاستنتاجي الذي عَدَّ المنهج الاستقرائي خرافةً فقط، وتابع بعدها العديد من الفلاسفة والعلماء رحلة تطوير المناهج هذه حتى وصلوا إلى المناهج النسبية التاريخية المتطورة.

علم النفس ليس إلا واحداً من العلوم يرتبط بعلاقة جدلية مع مناهج البحث، لذلك رأينا أنَّه من الهام تحديد طبيعة المنهج المناسب للبحث في علم النفس ومعرفة أنواع هذه المناهج.

ما هو المنهج؟

نحن نستخدم مصطلح مناهج البحث كثيراً، لكن هل فكرت مرة أن تبحث في تعريف المنهج والمقصود منه؛ إذ يمكن تعريف المنهج بأنَّه إجراء يُستخدم في بلوغ غاية محددة، وبتفصيل أكثر يمكن القول إنَّ المنهج هو مجموعة العمليات العقلية التي تُرتَّب ترتيباً صحيحاً بهدف الوصول إلى حقيقة ما أو الكشف عن حقيقة وإثباتها.

يعرَّف المنهج العلمي بأنَّه مجموعة من العمليات العقلية المصاحبة لجملة من الخطوات العملية التي يقوم بها الباحث أو العالم من بداية بحثه حتى نهايته حتى يصل في النهاية إلى حقيقة مع البراهين والأدلة التي تثبت صحتها، وقد مر المنهج العلمي بالعديد من المراحل حتى وصل في النهاية إلى الشكل الموجود عليه اليوم، وصار علماً من العلوم معروفاً باسم علم المناهج أو الميثودولوجيا، ويمكن حصر المناهج في فرعين رئيسين هما:

المنهج الاستنتاجي:

نبدأ في هذا المنهج من افتراضات وصولاً إلى نتائج لازمة عنها بالضرورة، ويتم الاعتماد في ذلك على المنطق وليس على التجربة، ويمكن استخدام هذا المنهج من مناهج البحث مثلاً في علوم اللغة والشريعة والقانون وغير ذلك.

شاهد بالفيديو: 8 استراتيجيات بسيطة لتعزيز صفاء ذهنك

 

المنهج الاستقرائي:

المنهج الذي نبدأ به بجزئيات تجريبية غير يقينية وصولاً إلى قضايا عامة، ويُستخدم هذا المنهج في العلوم الطبيعية والإنسانية.

تنقسم المناهج أيضاً إلى أنواع ترجع إلى طبيعة البحث أو الموضوع، وفي هذا الصدد يمكن حصر المناهج بستة أنواع رئيسة هي:

  1. المنهج العقلي: يعتمد على العقل، وله أنواع عدة منها المنهج التحليلي عند “سقراط” والمنهج الجدلي والمنهج التركيبي عند “أفلاطون”.
  2. المنهج الاستنتاجي: يُستخدم في العلوم النظرية.
  3. المنهج الاستقرائي التجريبي: يعتمد على الملاحظة والتجريب والفرضية والتحقق والاختبار حتى يصل في النهاية إلى القوانين التي يبحث بها، ويُستخدم في العلوم التجريبية مثل الكيمياء وعلم الحياة وبعض العلوم الإنسانية مثل علم النفس.
  4. المنهج الوصفي: يعتمد على الملاحظة وعمليات التصنيف والإحصاء، ويُعَدُّ من أكثر مناهج البحث ملاءمة للواقع الاجتماعي، ويمكن استخدامه في العلوم الطبيعية والاجتماعية.
  5. المنهج التاريخي: هو المنهج المتخصص بدراسة أحداث الماضي وسجلاته ووثائقه معتمداً في ذلك على الجمع والتصنيف والتفسير والتأويل.
  6. المنهج النفسي: يعتمد على الاستنباط والتجربة، ويتم استخدامه في كافة أنواع العلوم التي تهتم بدراسة السلوك الإنساني وتطوره.

مناهج البحث في علم النفس:

اختلفت وتباينت مواقف العلماء كثيراً بشأن طبيعة مناهج البحث المناسبة في علم النفس، وفي النهاية وجدنا شبه إجماع على مناهج عدة رئيسة تُستخدم في الأساس في دراسة القضايا الاجتماعية والنفسية، وسنذكر فيما يأتي أهم مناهج البحث في علم النفس:

1. المنهج التجريبي:

يُعَدُّ هذا المنهج أحد المناهج الأساسية التي يعتمد عليها علم النفس في دراسته للسلوك الإنساني وإجراء التجارب عليه، ويسير المنهج التجريبي وفقاً لخطوات تتشابه كثيراً مع خطوات التفكير العلمي، فغالباً ما يبدأ بالملاحظة ثم وضع الفرضيات، وبعدها جمع المعلومات والبيانات والتأكد من صحتها، ليصل إلى الخطوة الأخيرة وهي صياغة القوانين والنظريات.

إقرأ أيضاً: علم النفس التربوي: تعريفه، ومجالاته، وفوائده، وأهدافه، وأهم نظرياته

2. المنهج الوصفي:

يهتم المنهج الوصفي بدراسة الظواهر الحاضرة، ويهدف إلى الوصول إلى القوانين التي تفسر هذه الظواهر، والمبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه المنهج الوصفي هو أنَّ الكون يسير وينتظم وفقاً لقواعد ومبادئ معينة، ويمكننا من خلال ملاحظة هذه القواعد والمبادئ الوصول إلى فهم العلاقات السببية بينها، ومن ثمَّ فهم الظواهر.

حقيقةً لم تسلم هذه الفكرة من الانتقادات، فهي بنظر بعض العلماء والمفكرين قد حوَّلَت العلم إلى حالة جامدة وكأنَّ وظيفته الأساسية هي البحث في حقيقة الكون والنظام الذي يدير الحياة؛ إذ تخضع دراسة القضايا النفسية في المنهج الوصفي إلى عدة خطوات تبدأ بتحديد ظاهرة معينة موجودة وواقعية، ووضع الفروض ثم التحقق من صحتها من خلال جمع البيانات عن الظاهرة موضوع الدراسة.

كما عليه تحديد أدوات جمع البيانات، وهذا يُعَدُّ أساسياً لنجاح المنهج الوصفي مثل الاستمارة أو دراسة الحالة أو المقابلة، حتى نصل إلى الحقيقة نفهم العلاقة السببية التي تربط عناصر هذه الظاهرة ببعضها، وبعد هذا سنتمكن من الوصول إلى القانون الأساسي المتحكم بهذه الظاهرة والمفسر لحصولها.

لا بد من الإشارة إلى أنَّ المنهج الوصفي ليس قادراً على النفوذ إلى جوهر الظاهرة وتحليلها بعمق؛ بل إنَّه يتناول مظهرها الخارجي، وبذلك يمكن عَدُّ الدراسات الوصفية مرحلة من المراحل الأولية في طريق الوصول إلى الموضوعية العلمية، ولا يمكن الاكتفاء بها؛ بل لا بد من تشبيعها بمراحل أعمق من البحث العلمي.

3. المنهج التاريخي:

يرى هذا المنهج أنَّ الحياة عبارة عن سلسلة من الحلقات وكل حلقة مرتبطة بالأخرى، وهذا ما يجعل الماضي مرتبطاً بالحاضر والمستقبل، وباختصار لا يمكننا فهم أيَّة ظاهرة راهنة أو مستقبلية إلا إذا رجعنا إلى ماضيها وقمنا بدراسة كيفية تطورها، إضافة إلى ذلك فإنَّ المنهج التاريخي يهدف إلى الوصول إلى قوانين لتفسير الظواهر الماضية، وهذا يساعد على التحكم بنموها وتطورها.

تحتاج دراسة ضمن المنهج التاريخي إلى تحديد الظاهرة بدقة وفهم التطور التاريخي لها بدقة وجمع معلومات صحيحة عن ماضي الظواهر، وهذا يساعد على فهمها في الوقت الحالي من خلال فهمها في الماضي، ومن الأمثلة عن الموضوعات التي تنتمي إلى علم النفس يمكن استخدام المنهج التاريخي في دراستها “تطور الذكاء والتعلم” وغير ذلك.

4. المنهج التكويني:

يعتمد المنهج التكويني على دراسة علم من العلوم من خلال البحث في تكوينه، ويُستخدم هذا المنهج استخداماً أساسياً في علم النفس، ويُعَدُّ من أفضل مناهج البحث في القضايا النفسية والاجتماعية، فهو يساعد الباحث على توضيح الطريقة التي تكونت بها المعارف وكيف انتقلت من مستوى أدنى إلى آخر أعلى، وقد استخدم “جان بياجيه” المنهج التكويني في أبحاثه عن كيفية تكون المعرفة عند الطفل.

الجدير بالذكر أنَّ المنهج التكويني في المعرفة يحتاج إلى النظر إلى المعرفة من خلال تقدمه وتطوره عبر الزمن، فالمعرفة بالنسبة إلى المنهج الوصفي عملية تطور ونمو متصلة؛ أي لا بد من النظر إلى المعرفة من الناحية المنهجية، فهي ليست إلا نتيجة لمعرفة سابقة.

كما يمكننا حقيقةً القول إنَّ المبدأ الأساسي في المنهج التكويني هو ذات المنهج الذي تشترك فيه جميع الدراسات التي تجعل من النمو العضوي موضوعاً لها؛ أي إنَّنا وعند البحث في موضوع ما لا يمكن دراسة مراحله الأولية فقط، ولا دراسة مراحله الأخيرة؛ بل يجب دراسة تحولاته وحركتها.

أهمية المناهج بالنسبة إلى الطلاب:

عند الحديث عن أهمية مناهج البحث بالنسبة إلى الأبحاث النفسية والاجتماعية والتربوية، فإنَّ بعض القضايا النفسية والتربوية تعوم على السطح وتطرح نفسها بوصفها قضايا تتطلب التوضيح والتفسير، ومن هذه القضايا الآثار النفسية والسيكولوجية للمناهج في الطلاب، وهل لهذه المناهج دور في تطوير القدرات العقلية عندهم؟

المناهج المدرسية ليست إلا منهجاً للبحث، فالمنهج كما ذكرنا آنفاً هو عبارة عن مجموعة قواعد وعمليات تهدف إلى الإحاطة بموضوع ما وفهمه، والمنهاج هو مصدر خبرات الطلاب الأساسي ويشمل كل ما يحتاجونه من مواقف ومهارات مختلفة علمية وعملية ونظرية، كما أنَّ المنهاج أهم أدوات تطوير شخصية الطالب وتنميتها.

إقرأ أيضاً: علم النفس التحفيزي: سر قوة الدافع

تهدف التربية المعاصرة إلى الوصول إلى متنوعة عميقة ومتسقة ومتجددة، ولذلك عمدت إلى وضع مناهج تجمع بين التراث وبين تطور الحاضر وتقدمه.

يجب مراعاة بعض المبادئ عند وضع المناهج، ومن هذه المبادئ:

  1. مراعاة التراث الحضاري واستيعابه.
  2. مواكبة المنهج للتطور العلمي والاجتماعي.
  3. قابليته للنقل والتعميم.
  4. الاهتمام بحاجات المتعلمين ورغباتهم.
  5. الاهتمام بأثر العوامل البيئية في المنهج.
  6. أن يكون المنهج متناسباً مع الخصائص العمرية.
  7. المحتوى العلمي.

في الختام:

ترتبط مناهج البحث بالعلوم المختلفة ارتباطاً وثيقاً وجدلياً، وعلى مناهج البحث حتى تلبي الغرض الرئيس منها أن تكون مرنة وديناميكية وقابلة للتجديد والتطوير، والأمر ينطبق على علم النفس أيضاً؛ إذ اختلفت وتطورت أساليب البحث في القضايا النفسية عبر الزمن، حتى تم في النهاية الاعتماد على مناهج البحث العلمي في فهم وتحليل وتفسير القضايا النفسية للوصول إلى أسرار جوهرها اعتماداً على أساليب البحث العلمي الدقيق والممنهج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى