Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات بحثية

تقنية النانو وتطبيقاتها المستقبلية


تاريخ تقنية النانو:

تعود هذه الكلمة (النانو) بالأصل إلى (نانوس) الكلمة الإغريقية وتعني القزم؛ أي الشيء الصغير جداً واصطلحت منها علمياً تقنية النانو؛ أي الجزيئات المتناهية في الصغر أو ما أُطلق عليها في المدة الأخيرة التكنولوجيا المجهرية.

لم يُعرف هذا المصطلح بداية في مراكز التعليم بالجامعات أو المعاهد، إلا أنَّ هذا المصطلح بدأ بالانتشار عام 1959 بعد محاضرة العالِم الفيزيائي الأمريكي “ريتشارد فايتمان” في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا التي كانت بعنوان (يوجد متسع كبير في الأسفل)، فقد تحدَّث فيها عن إمكانية التعامل مع الجزئيات والذرات تعاملاً منفرداً؛ ومن ثَمَّ توجد احتمالية كبيرة للوصول إلى أجهزة وآلات دقيقة، ولم يصرح بلفظ النانو في محاضرته؛ بل أطلق عليها (تقنية التحكم المباشر بالذرات والجزئيات)، وعُدَّ المؤسس لهذه التقنية.

أما بالنسبة إلى مصطلح النانو فقد ظهر في محاضرة للبرفسور الياباني “Norio Taniguchi” في عام 1974م، والتي أقامها في جامعة طوكيو للعلوم، قال حينها: “إنَّ تقنية النانو ترتكز على عمليات فصل، واندماج وإعادة تشكيل المواد بواسطة ذرة واحدة أو جزيء”.

بعد ذلك اخترع جهاز الميكروسكوب 1981م، وهو جهاز يستخدم لتصوير الذرات والجزئيات والتراكيب ذات الأبعاد النانوية، وحصل مخترعه على جائزة نوبل في عام 1986م، العام المصاحب لانتشار مصطلح النانو في الأوساط العلمية، وبدأ يتوسع إلى آفاق أكبر ليشمل إلى جانب التعامل الصناعي مع الذرات والجزئيات جميع أبعاد الإنتاج العلمي بكل جوانبها النظرية والعلمية المعتمدة على الأبعاد النانوية، والتي قُدِّرت أبعادها من (0.1) نانومتر إلى (100) نانو متر وهو ما سُمي بمقياس النانو، وانطلقت بعدها ثورة علمية كبيرة قائمة بحد ذاتها على هذه التقنية.

شاهد بالفيديو: 5 علامات تشير إلى أن جسدك مليء بالسموم الضّارة

 

الطب وتقنية النانو:

تُعدُّ تقنية النانو تقنية هامة في الطب وتُسمى بالإنكليزية (Nanomedicine)، فهي تساهم في تشخيص الأمراض وعلاجها، كما تُستخدم في تخفيف الألم من خلال استخدام التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية ومواد طبية تعتمد على مقياس النانو؛ فالنانو تقنية تعمل على الكشف المبكر عن الأمراض بالاعتماد على الأجهزة النانوية التي تتصف بالدقة العالية مستعينة بعينات مأخوذة من الأنسجة وسوائل الجسم؛ أي ما يُسمى حالياً بالتحاليل الطبية.

تقيس أجهزة النانو كمية الجزيئات السامة والخلايا السرطانية وتتعامل معها، فهي ذات خصائص وميزات مغناطيسية وبصرية وبنيوية تجعلها قادرة على اكتشاف الأورام وغيرها من الأمراض.

لقد تعددت استخدامات تقنية النانو في مختلف المجالات الطبية، وسهَّلت على الطبيب الفحص والكشف عن الأمراض وعلاجها، فقد عُدَّت أداة فاعلة وسحرية في مهنة الطب، ودُرس التحكم بالمادة على المستوى الذري والجزئي لتطوير مواد وأجهزة صغيرة جداً دون 100 نانو متر في مجالات تقنية عديدة مثل الأدوية وغيرها في الطب، وعُدَّ التعامل بتقنية النانو أسرع وأسهل وأقل استهلاكاً للطاقة وأرخص من ناحية التكلفة.

فقد خُصِّص في عام 2007 ما يقارب 1.7 مليون دولار على التطبيقات الطبية للنانو تكنولوجيا، وأغلبها في الصناعات الدوائية؛ فالتطبيقات الطبية لتقنية النانو هي الأهم لهذه التقنية الحديثة من بين كل التطبيقات؛ وذلك لارتباطها بحياة الإنسان وصحته مباشرة.

تطبيقات تقنية النانو في الطب:

1. الصناعات الدوائية:

تقوم تقنية النانو على عملية تطوير الجسيمات والجزئيات التي من خلالها سنستطيع إيجاد التوفر الحيوي للدواء؛ وذلك داخل الجسم ومراعاة دقة الخلية المستهدفة في العملية؛ فجزئيات النانو تُعدُّ متناهية الصغر؛ إذ تستطيع من خلالها إيصال الأدوية إلى أنسجة المرضى، وليس ذلك فقط؛ بل تصل إلى الخلايا المصابة فتعمل على التقليل من الأعراض الجانبية، ومن الاحتمالات الواردة أن تصل جزئيات النانو إلى أماكن لم يكن المقصود الوصول إليها ومعالجة ما بها من أمراض.

2. الكشف عن الأورام وعلاج أمراض السرطان:

أُطلق عليها ما يُسمى غواصة نانو لتدمير السرطان، فالاعتماد على تقنية النانو في علاج السرطان أعطاها ميزة عن الطرائق التقليدية المعروفة بأنَّها تقضي على الخلايا السرطانية الحية وغير السرطانية، أما تقنية النانو فتدمر الخلايا السرطانية من خلال نواقل صغيرة لا تتعرف إلى خلايا المناعة، فلا تعمل على تدميرها.

تعمل تقنية النانو في علاج السرطان وفق طريقتين: الأولى تقوم الشعيرات الدموية التي يتغذى منها الورم السرطاني، والثانية تعمل مكونات بإغلاق النانو الكيمائي أو الإشعاعي على قتل خلايا السرطان فقط دون إلحاق الأذى بالجهاز المناعي، وقد تبين من مراكز التجارب على الحيوانات في مختلف أنحاء العالم بأنَّ الحيوانات التي عولجت بتقنية النانو عاشت أكثر من الحيوانات التي عولجت بالطريقة التقليدية.

نورد من أمثلة ذلك تجربة الأمريكي “ميمو ريان كيتيرنج” على الفئران المصابة بالسرطان؛ فالفئران المصابة التي قُدِّم لها العلاج بتقنية النانو عاشت 300 يوماً بعد هذا العلاج، أما الفئران التي لم تتلقَ العلاج نفسه وعولجت بالطريقة التقليدية فعاشت 43 يوماً فقط.

3. التصوير الطبي (التشخيص):

يمنح التصوير بتقنية النانو إمكانية تعقب أية حركة تجري في النسيج الحيوي داخل الجسم، فقد أثبتت دراسة خلايا الجسم أنَّ ذلك ليس أمراً سهلاً، إضافة إلى أنَّها تصدر أمواجاً ضوئية ولا تعمل عملاً واحداً أو بكيفية واحدة؛ لذا لجأ العلماء إلى تقنية النانو وتكوين تلك الخلايا، فتقنية النانو تُبدي رد فعل مختلف أمام الترددات الموجية المختلفة الناتجة عن اختلاف طول الموجة.

مع أنَّ تقنية التصوير الطبي هي الأهم في الكشف والتشخيص المبكر عن الأمراض المختلفة، فإنَّ لدمجها بتقنية النانو طريقاً ناجحاً وأسلوباً متطوراً جداً؛ إذ وفَّر ذلك صوراً طبية دقيقة ومفصَّلة للعمليات الخلوية؛ ومن ثَمَّ التشخيص المبكر بفاعلية عالية جداً.

التصوير بالرنين المغناطيسي باستخدام الجسيمات النانوية هو من طرائق التصوير القوية، ويعتمد على دوران البروتون عند وجود مجال مغناطيسي خارجي، ويُثار بنبض ترددي راديوي، ومن هنا نجد أنَّ لديه قدرة على إظهار المعلومات التشريحية والمقطعية، ويساعد ذلك على اكتشاف الآفات والتمايز عن الأنسجة السليمة.

4. زراعة الأعضاء:

استخدمت تقنية النانو تكنولوجيا الخلايا الجذعية في زراعة الأعضاء؛ وذلك باتباع طريقة استخلاص خلايا جذعية والعمل على إكثارها بواسطة مواد محضرة لمواصفات النانو، تحاكي البيئة الطبيعية لنمو الخلايا داخل الجسم البشري، وتُكثَّر بعد ذلك ويُزاد عددها لتتحول إلى أنسجة وأعضاء بشرية تُزرع داخل المرضى بالجراحة أو من خلال حقنها مباشرة في الجزء المراد إصلاحه، فتتحول تلك الخلايا لتنتج في النهاية نسيجاً جديداً داخل هذا الجزء.

التطبيقات الجلدية:

اعتُمد على تقنية النانو في بناء الأنسجة الجلدية وترميمها وإعادتها كما كانت في حالات الجروح العميقة أو الحروق، وكذلك في لحام الأوعية الدموية بعد قطعها دون الحاجة إلى عمليات الجراحية.

تستمر تقنية النانو بالتطور يوماً بعد يوم من خلال جهود الباحثين والأطباء والدارسين للعلوم الأخرى حتى تتكيف وتغطي موضوعات أخرى، وتشمل تطبيقات جديدة مثل علاج التسمم البكتيري والفشل التنفسي والأمراض الوراثية.

الأجهزة الدقيقة المتوفرة حالياً في طب النانو:

  • أجهزة الكانتليفر: خُصِّصت لاكتشاف الأورام السرطانية بدقة.
  • جهاز اليندريمر: جهاز مخصص لإيصال الدواء ولديه القدرة على الدخول بسهولة إلى الخلايا المصابة وتزويدها بالدواء دون نتائج سلبية.
  • أصداف النانو والسرطان: أجهزة تملك قدرة عالية على التعرف إلى الخلايا العصبية المصابة بالسرطان وتدميرها.

هل الطب النانوي فاعل أكثر من الطب التقليدي؟

يتساءل أشخاص كثيرون اليوم بعد الحديث الذي يشهده العالم عن الطب النانوي واستخداماته، أيهما أفضل الطب النانوي أو الطب التقليدي وأيهما أكثر أماناً، في الحقيقة الإجابة واضحة الطب النانوي أكثر فاعلية من الطب التقليدي؛ بل إنَّ الطب النانوي يتجاوز مسألة الفاعلية اليوم بحثاً عن الأمان، فهدف الطب اليوم هو جعل العلاجات أكثر أماناً، وهذا ما يقودنا إلى طرح السؤال الآتي: هل تحمل تقنية الطب النانوي مخاطر محتملة على صحة الإنسان؟

في الحقيقة توجد مخاطر، لكن لم تُحدَّد طبيعتها حتى الآن؛ فالأمر يستغرق سنوات عدة من التجارب والاختبارات والأبحاث السريرية قبل أن يُتوصل إلى النتيجة النهائية، فمثلاً بالنسبة إلى حالة لقاحات كوفيد 19 نعلم فوائدها على الأمد القريب وآثارها كذلك، لكن من الصعب جداً معرفة آثارها على الأمد البعيد، فالعلم وحده قادر على تحديد مخاطرها.

في الختام:

لا يقف العلم عند درجة معينة؛ بل يسعى أصحابه دائماً إلى تحقيق التقدم فيه وتطوير أدواته، فتقنية النانو بعد أن أثبتت نجاحها في معظم تطبيقاتها كان لا بُدَّ من الاستمرار في البحث عن سبل تطويرها، وإنشاء مراكز في مختلف بلدان العالم للبحث في النانو تكنولوجيا، مع التأكيد على تلافي سلبياتها والحذر من استخدامها، فالمراد هو تحقيق الفائدة وليس التدمير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى