6 خطوات لإحياء الاتصال مع الذات
وهنا يبرز السؤال الآتي: كيف يمكن إحياء الاتصال مع الذات؟
يؤدي انعدام الاتصال مع الذات إلى معاناة الفرد من الإحباط والتوتر النفسي، فلا تتحدد سعادة الإنسان بالأشياء التي يمتلكها أو الرضى والقبول الذي يحصله من الآخرين؛ بل بأسلوب حياته، والتقدم الشخصي الذي يحرزه، والصفات التي تكوِّن هويته الإنسانية، وكينونة الفرد هي الثابت الوحيد في حياته، ولا يمكن لأحد على وجه البسيطة أن يسلبه إياها، ومحبة المرء لنفسه ضرورية لعيش حياة مرضية.
الاتصال مع الذات هو شرط أساسي لتحقيق النجاح والرضى في كافة ميادين الحياة؛ فتوجد مؤشرات تدل على حاجة الفرد لإحياء الاتصال مع ذاته مثل: عدم الرضى عن الحياة والعمل، والمعاناة في العلاقات الشخصية، والتعرض للاكتئاب أو القلق، لذا يمكن عد هذه الأعراض بمنزلة تحذير ينذر بوجوب إحياء التواصل مع الذات لتحسين جودة الحياة ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
فيما يأتي:
6 خطوات لإحياء الاتصال مع الذات:
1. اكتشاف الرسالة الوجودية:
إياك أن تقبل بأقل مما تستحق، وترضى بعيش حياة لا تتيح لك استثمار إمكاناتك وقدراتك ومواهبك؛ إذ يتيح لك التواصل الذاتي إمكانية اكتشاف مواهبك ومهاراتك ودوافعك، وهو ما يزيد من قدرتك على تقديم الدعم والمساعدة والمساهمة في إحداث تأثير إيجابي في العالم من حولك، ولقد حان الوقت لتحديد دوافعك، والغرض من وجودك في الكون، والهدف الذي يشعرك بأنَّك تؤدي دورك ورسالتك في الحياة على أكمل وجه.
تساعدك الأسئلة الآتية على اكتشاف دوافعك وأهدافك الكامنة وإحياء الاتصال مع ذاتك:
- متى أكون في أوج سعادتي؟
- ما هو العمل الذي يزيد من إحساسي بذاتي؟
- كيف أتواصل مع ذاتي عندما أكون وحدي؟
اكتشاف الرسالة الوجودية ليس أمراً هيناً على الدوام؛ بسبب المعتقدات التي تقيِّد إمكانات الفرد وتمنعه من تحقيق النجاح وتحبسه في أنماط محكومة بالفشل.
يسعى معظم الأفراد إلى تحقيق الأهداف التي يمليها عليهم المجتمع أو أفراد العائلة، وتحصيل الصورة النمطية للسعادة التي لا تعبر عن رغباتهم الشخصية بالأساس، ويطمح الفرد لتحصيل مزيد من المال والسلطة والمكانة دون أن يربط عمله وكفاحه الحياتي بأهداف سامية تعبر عن رسالته الوجودية، وهو ما يتسبب في فشله.
شاهد بالفديو: الفرق بين بياني الرسالة والرؤيا
2. تحديد الاحتياجات الشخصية وتلبيتها:
ترتبط الرسالة الوجودية للفرد بالاحتياجات الإنسانية الأساسية، وهي تشمل اليقين والمغزى والتنوع والحب أي الارتباط والتقدم والمساهمة، ويشترك جميع الأفراد في هذه الاحتياجات، ولكن ثمة حاجة واحدة مسيطرة تطغى على البقية وتميز بين فرد وآخر، وتتحكم هذه الحاجة المسيطرة بقرارات الفرد وسلوكاته، وهي المسؤولة عن شعوره بالرضى؛ إذ يحقق الإنسان الرضى والقناعة في الحياة عندما يلبي الحاجة الأساسية التي تميزه عن غيره.
يتوق بعضهم للمساهمة في تحسين العالم من حولهم وخدمة الأهداف السامية في الحياة، وتقتضي الرسالة الوجودية لهؤلاء الأشخاص على المشاركة في الأعمال التطوعية وخدمة الآخرين وفعل الخير، ويسعى آخرون خلف المغزى أو الارتباط، وفي هذه الحالة يمكنهم أن يركزوا على عائلتهم وأصدقائهم لتحقيق الهدف من وجودهم في هذه الحياة.
إنَّ تحديد الحاجة الإنسانية الأساسية يشكل الخطوة الأولى لإعادة التواصل مع الذات، لذا عليك أن تتخلص من المعتقدات المقيدة التي تحطُّ من أحلامك وطموحاتك، وتحاول إقناعك بأنَّك لا تستحق تلبية احتياجاتك، لذا توقف عن إعطاء الأولوية للآخرين على حساب حاجاتك وطموحاتك الشخصية، ويجب أن تخصص بعض الوقت لرعاية نفسك، وتعمل على تلبية احتياجاتك حالما تنجح في تحديدها، وتسارع إلى طلب مساعدة الآخرين لتلبية احتياجاتك؛ إذ يتسنى للإنسان أن يقدم مزيداً من الدعم والمساعدة ويساهم في خدمة الآخرين عندما يكون راضياً عن نفسه وعن التقدم الذي أحرزه على الصعيد الشخصي.
3. اكتشاف الهوية الحقيقية:
يُعدُّ الصوت الإنساني وسيلةً للتواصل وطرح الأفكار والآراء والترفيه، ولكن يشرح “إدوين كوبارد” (Edwin Coppard) مدرب الصوت الدولي الشهير أنَّ الاتصال مع الذات يتم عبر صوت الإنسان، ويؤكد “كوبارد” أنَّ صوت الفرد في مرحلة الطفولة يكون نقياً وطبيعياً وصاخباً وقوياً يعبِّر عن أهداف صاحبه واحتياجاته وكل ما يخطر بباله بحرية وشفافية كاملة، ومن ثم يكبر الطفل الصغير ويبدأ باستيعاب محيطه ويدرك أنَّه جزء من مجتمع كبير، ويتعود على كبت صوته الطبيعي امتثالاً للعقلية السائدة في مجتمعه.
يمتثل الفرد لقوانين الجماعة التي ينتمي إليها، ويكبت هويته الشخصية وصوته الخاص الذي يميزه عن غيره، ويتحدث بلسان مجتمعه، ولم يعد صوت الفرد يعبر عن ذاته؛ بل صار يراعي مثل ومعتقدات مجتمعه.
يشرح “كوبارد” أنَّ الغناء والإنشاد يحرران الإنسان من القيود المجتمعية ويساعدانه على إحياء الاتصال مع ذاته، واسترجاع الصوت الحقيقي والنقي الذي يتيح له إمكانية التعبير عن نفسه بحرية وعفوية، فيمكنك أن تستفيد من الغناء، أو تعلم العزف، أو تأليف الموسيقى في استرجاع عفوية وجرأة الطفولة وإحياء الاتصال مع الذات.
4. الاتصال الجسدي مع الذات:
يُعدُّ الرقص واحداً من أبرز أساليب التعبير عن النفس الإنسانية، وهو يساعد الفرد على إحياء الاتصال مع ذاته.
ابتكرت الراقصة “غابرييل روث” (Gabrielle Roth) رقصة “الإيقاعات الخمسة” (5 Rhythms) في أواخر السبعينيات، وهي تُعدُّ رقصة وتمرين تأمل حركياً في آنٍ معاً، وأكدت “روث” أنَّ الحركة الجسدية تحرر القلب والعقل، وتسمح للفرد بالاتصال مع ذاته، والوصول لمصدر الإلهام والإبداع والإمكانات، وهو ما يساعده على تحقيق ذاته.
تشمل الإيقاعات الخمسة: الانسياب، والتهتهة، والفوضى، والإنشاد، والسكون، وهي إيقاعات تجريبية غير صوتية تصف الحالات النفسية والعاطفية، وتكشف عن الكينونة الإنسانية؛ إذ يؤول الأفراد الإيقاعات بطريقتهم الخاصة التي تعبر عن ذواتهم، وتهدف الإيقاعات إلى مساعدة الفرد على التحرك بطريقة واعية وإبداعية ومبتكرة، وهي تتيح له إمكانية اكتشاف الكينونة الفطرية، وتعزيز التواصل بين العقل والجسد.
5. تدوين اليوميات:
تؤدي الكتابة دوراً بارزاً في إحياء الاتصال الذاتي، وذلك لأنَّ تدوين المشاعر المرافقة للأحداث والتجارب الحياتية يساعد على اكتشاف العواطف وتقبلها، لذا يمكنك من ناحية أخرى أن تعرف آراءك الشخصية من خلال تدوين الأفكار التي تخطر لك تجاه الأحداث والتجارب اليومية.
تساعد كتابة الأفكار على تطويرها والاستفادة منها في إحراز التقدم والتنمية، ويستخدم بعضهم الكتابة بوصفها وسيلة لاكتشاف خبايا ذواتهم، فكما تقول المؤلفة “فلانيري أوكونور” (Flannery O’Connor): “أنا أكتب لأكتشف ذاتي”.
تُستخدَم تقنية تدوين اليوميات في علاجات تخفيف القلق، وتحسين الذاكرة، وتغيير الأفكار والعقلية، والتركيز على الجوانب الإيجابية، والمساعدة على تحقيق الأهداف.
يتطلب الاعتياد على تدوين اليوميات بعض الالتزام، لهذا السبب يُنصَح بتخصيص بعض الوقت وليكن 5 دقائق يومياً للكتابة، لذا يمكنك أن تبدأ بتوثيق الأحداث اليومية والأثر الذي تتركه في نفسك، وتدوين التجارب التي تشعر بالامتنان تجاهها، وغيرها من التفاصيل التي تحفز التفكير الذاتي، وتساعد على إحياء التواصل مع النفس.
6. طرح الأسئلة المناسبة:
تعتمد جودة حياة الفرد بشكل أساسي على طبيعة الأسئلة التي يطرحها على نفسه، وطرح الأسئلة المحبطة من قبيل لمَ تحدث الأمور السيئة معي دائماً؟ تدفع العقل الباطن للبحث عن الأجوبة أو تأليفها في بعض الحالات؛ إذ يخترع العقل الباطن جواباً يتوافق مع السؤال المطروح، وقد يكون جواب السؤال السابق “لأنَّك تفتقر للمهارات المطلوبة” أو “لأنَّك لست ذكياً كفاية”؛ وهذا يعني أنَّ العقل يبحث عن أجوبة سلبية للأسئلة السلبية.
يمنعك الحوار الذاتي السلبي من إحياء الاتصال مع ذاتك، لهذا السبب يُنصَح بطرح الأسئلة التشجيعية الإيجابية مثل: كيف يمكنني أن أستفيد من التجربة لأقدِّر ذاتي أكثر؟
يبدأ الدماغ بالبحث عن أجوبة إيجابية تناسب هذا السؤال، وتساعدك على تحسين حالتك المزاجية، وإحياء اتصالك مع ذاتك.
يجدر بالفرد أن يغير نوعية الأسئلة التي يطرحها على نفسه حتى تتحسن حياته؛ إذ تتحكم الأسئلة بالموضوعات التي يركز عليها العقل، وتحدد أفكار الفرد وعواطفه، لذا يجب عليك أن تطرح أسئلة تساعدك على الكشف عن ذاتك الحقيقية وإبرازها في حياتك اليومية.
فيما يأتي 7 أسئلة إيجابية يجب أن يطرحها الإنسان على نفسه:
- ما هو مصدر السعادة في حياتي حالياً؟
- ما هو مصدر الحماسة في حياتي الحالية؟
- ما هو أكثر شيء يشعرني بالفخر في الوقت الحالي؟
- ما هو مصدر شعوري بالامتنان؟
- ما هو أكثر شيء أستمتع به في حياتي حالياً؟
- ما هي التزاماتي الحالية؟
- من هم أحبتي؟
يجب عليك أن تعتاد على طرح الأسئلة الإيجابية يومياً، وذلك حتى يتسنى لك بلوغ الحالات العاطفية التي تساعدك على إحياء الاتصال مع ذاتك وعيش حياة هانئة؛ إذ يساعدك التطبيق المنتظم لهذه الأسئلة على تهيئة الظروف العقلية والنفسية التي تؤهلك لتحصيل السعادة والحماسة والفخر والامتنان والفرح والالتزام والمحبة، وهي العناصر التي تشكل كينونتك وذاتك الحقيقية.
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.