تأثيراتها وكيفية بنائها من جديد
هنا نناقش ما يعنيه عدم الثقة في الآخرين، وما الذي يسبب هذا الشعور، وتأثير عدم الثقة بأي شخص، كما نشارك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتطوير علاقات أكثر موثوقية.
ما هي الثقة؟
يعرِّف “قاموس أكسفورد” الثقة بأنَّها “إيمان قوي في الموثوقية، والحقيقة، والقدرة، أو القوة في شخص أو شيء”، على سبيل المثال، نثق في الأشخاص الذين يُظهِرون لنا اللطف، والذين يتسمون بالنزاهة، وتتفق أفعالهم مع كلماتهم، ونثق في شخص يمكننا الاعتماد عليه للقيام بما هو “صحيح” بشكل مستمر.
في العلاقة الحميمة، نثق في شريكنا إذا كان صادقاً، ويمكن أيضاً تعريف الثقة بوصفها فعلاً على أنَّها أفعال تستند إلى الموثوقية أو الثقة بالنفس، وعلى مستوى الفعل، تتضمن الثقة القدرة على “فعل شيء دون خوف أو تردد”.
هل مشكلات الثقة آخذة في التزايد؟
أفاد عدد من علماء النفس مؤخراً أنَّه خلال العقد الماضي، زادت بشكل غير مسبوق مشكلات الثقة بين الأزواج الذين يلجؤون إلى الاستشارة، ووفقاً لـ “جو بافونيس” من معهد العلاقات في “رويال أوك، ميشيغان”، يعزى جزء من هذا الارتفاع إلى التقدم التكنولوجي الأخير الذي يجعل من السهل على الشركاء أن يغدروا، على سبيل المثال، عن طريق إخفاء الرسائل النصية، وقوائم مكالمات الهاتف الخلوي، ورسائل أصدقاء “فيسبوك” والبريد الإلكتروني.
اليوم، توجد المئات من المدونات والمقالات والنصائح التي تقدِّم اقتراحات مصمَّمة لمساعدة الأزواج على حل مشكلات الثقة المزعجة، ويوجد عدد من الاستبيانات المتاحة لقياس الثقة في العلاقة، وكذلك الثقة العالمية (الثقة في الطبيعة البشرية)، فالثقة تهم كثيراً من الناس، خاصةً أولئك الذين يسعون إلى علاقة حب مليئة بالأمان والاستقرار.
كيف نبني الثقة في البداية؟
كانت كيفية تعلُّم الأطفال للثقة سؤالاً أساسياً استكشفه عدد من علماء النفس التنمويين البارزين في القرن العشرين، وعلى وجه الخصوص “إيريك إيريكسون”، و”جون بولبي”، و”دي. دبليو. وينيكوت”، وقد كتب كل منهم بشكل وافر عن الثقة والدور المحوري الذي تؤديه في نمو وتطور الأطفال.
اقترح “إيريكسون” أنَّ الرضع يطوِّرون الثقة الأساسية عندما يحلُّون بنجاح أزمة (أو فرصة) النمو النفسي الأولى في الحياة، وهي الصراع بين الثقة والشك؛ إذ يطوِّر الطفل الذي يُربى من قِبل بالغين يستجيبون بشكل ثابت لتلبية احتياجاته ثقة بنهاية سنته الأولى، كما أكد “إيريكسون” أنَّ العامل الحاسم في هذه المرحلة من التطور هو نسبة الثقة إلى الشك.
ترتبط مستويات أعلى من الثقة في الأطفال ارتباطاً وثيقاً بأنماط الرابط الآمن؛ إذ يعتمد الأطفال الصغار الذين يثقون في بيئتهم عادةً على الأطفال الذين قاموا أيضاً بتكوين رابط آمنٍ مع والديهم أو مقدِّمي الرعاية، وقد استنتج “جون بولبي” نظرية الرابط؛ وهي أنَّ الثقة الأساسية – كما حددها إيريكسون – ضرورية تماماً للتنمية النفسية الصحية للفرد على مدار الحياة، ووصف أنماط الرابط الآمن وغير الآمن التي حددتها “ماري أينزورث” في أطفال السنة الواحدة بأنَّها مؤشرات قوية على مستوى ثقتهم.
كان الطبيب النفسي وطبيب الأطفال “د. دبليو. وينيكوت” يعتقد أنَّ “التوقع” من جانب الوالدين كان حاسماً لبناء الثقة في طفلهم، فقد كتب في كتابه “الحديث مع الآباء”: “الآباء، وخاصة الأم في البداية، تبذل كثيراً من الجهد لحماية الطفل مما هو غير متوقع”، ووفقاً لـ “روبرت فايرستون” يكون مثل هؤلاء الآباء أيضاً “دافئين ومحبين، وحساسين في تغذية ورعاية أطفالهم، ويقدِّمون لهم السيطرة والتوجيه والإرشاد أيضاً”.
شاهد بالفيديو: 8 عادات لبناء الثقة يمكنك البدء بها الآن
معنى عدم الثقة بأي شخص:
عندما نثق بشخص ما، يعني ذلك أنَّنا نستطيع الاعتماد عليه، وأنَّه موثوق وصادق، فإنَّ وجود قدر معين من الثقة ضروري للعلاقات، ولكنَّ الثقة في الآخرين ليست سهلة دائماً، وكلما كانت العلاقة أقرب، زادت صعوبة ذلك لأنَّها تتطلب منا كشف أنفسنا للشخص الآخر.
قد يكون طلب ذلك صعباً، وليس الجميع مستعداً أو راغباً في تحمُّل مخاطر إظهار جوانبهم الحقيقية، وفي بعض الحالات، قد يكون نقص الثقة أقل عن الشخص الآخر وأكثر عن الناس عموماً، وتتضمن الثقة العامة قدرتنا على الثقة في أعضاء المجتمع.
1. التنميط أو الرفض:
طوال حياتنا، تؤثر تجاربنا البينية والاجتماعية في الثقة التي نضعها في الآخرين، فقد يسهم التعرض للتنميط أو الرفض الاجتماعي في الطفولة في إنشاء مشكلات الثقة، فإذا كان مَن حولنا يؤذوننا بشكل متكرر، فقد تكون الثقة بأي شخص صعبة بسبب الخوف من تكرار الأذية.
2. تجارب سلبية في العلاقات:
قد تصعِّب العلاقات الرومانسية غير الصحية الثقة بالآخرين، على سبيل المثال، قد يصعِّب الشريك الذي يسيء استخدام العواطف علينا الثقة بالآخرين في المستقبل بسبب الخوف من الأذية أو الاستغلال.
3. الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة:
قد تسهم الحالات النفسية أو الأحداث الصادمة في مشكلات الثقة؛ وذلك لأنَّها تؤثر في كيفية رؤيتنا لأنفسنا وعلاقاتنا مع الآخرين، على سبيل المثال، قد تظهر مشكلات الثقة بوصفها أحد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
4. الشخصية:
قد تسهم بعض صفات الشخصية في نقص الثقة العامة بالآخرين، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أنَّ الأشخاص الذين يميلون إلى العصبية بدرجات عالية يبدون أقل عرضة للثقة بالآخرين.
تشير الأبحاث أيضاً إلى أنَّ صفة تُعرَف باسم “مكانة التحكم” قد تؤدي دوراً في قدرتنا على الثقة بالآخرين؛ ومكانة التحكم هي اعتقاد في مدى التحكم الذي نمتلكه للأحداث التي تحدث في حياتنا.
تأثيرات عدم الثقة بأي شخص:
عندما تُكسَر الثقة، يصبح في كثير من الأحيان وضع إيماننا في الآخرين في المستقبل صعباً، ومع ذلك، قد تؤذينا مشكلات الثقة في النهاية؛ وذلك لأنَّها تمنعنا من التواصل مع الآخرين أو الحصول على الدعم عندما نحتاج إليه، وعدم القدرة على الثقة قد يؤثر سلباً أيضاً في كيفية استجابة الآخرين لنا.
أظهرت الأبحاث أنَّ الأشخاص الآخرين أكثر عرضة للرد بسلبية أكبر عندما يعلمون أنَّنا لا نثق بهم، وفي دراسة واحدة، شعر الأشخاص الذين علموا أنَّ الآخرين لا يثقون بهم بمشاعر سلبية أكثر، وكانت آراؤهم عن الذين لا يثقون بهم أقل، وكانوا أقل عرضة للتصرف بطرائق إيجابية تجاه الذين لا يمكن الوثوق بهم.
قد يؤثر ذلك أيضاً في كيفية استعداد الأشخاص للتصرف في المواقف الاجتماعية، فعندما لا نثق بالآخرين، قد نكون أقل عرضة للتفاعل معهم؛ ونتيجة لذلك، توجد فرص اجتماعية أقل، وعلاقات أقل، ودعم اجتماعي أقل، وفي النهاية، فرص أقل لكسب الآخرين ثقة بنا.
كيفية الثقة بالآخرين مرة أخرى:
حتى إذا كنا نجد صعوبة في الثقة بالآخرين، توجد بعض النصائح التي قد تساعدنا على تعلُّم كيفية بناء علاقات أفضل وتكوين الثقة في مواقف مختلفة، ومنها:
1. ابدأ بالأمور الصغيرة:
ابحث عن طرائق صغيرة للثقة بالآخرين، فالثقة هي دائماً مسألة تدريجية، وقد نثق ببعض الأشخاص في بعض الأمور، لكن لا نثق بهم في أمور أخرى، وتوجد طريقة جيدة لتصبح أكثر ثقة، وهي دفع نفسك للثقة بالآخرين في أشياء صغيرة حتى تستطيع الثقة بهم في شيء أكبر، فعندما يثبت شخص ما قدرته على كسب ثقتنا في الأمور الصغيرة، قد نجد أنفسنا أكثر راحة في الاعتماد عليه حتى في أمور أكبر.
2. ابقَ إيجابياً:
حاول أن تكون متفائلاً تجاه الآخرين، وابدأ بالإيمان بوجود أشخاص جيدين، فالإيجابية في المواقف الاجتماعية والتفاؤل يساعدان على زيادة الثقة في الناس عموماً.
3. ثِق بحذر:
الثقة السهلة قد تنتهي بخيبة أمل، لذلك ابدأ بتعلُّم الثقة بالآخرين بمقدار يتناسب مع الوضع، وفي كثير من الحالات، قد يتضمن ذلك ثقة أكثر سطحية تعتمد على مجموعة متفق عليها من التوقعات.
على سبيل المثال، قد نثق بفني السيارات لإصلاح سيارتنا، وهو يثق بنا للدفع مقابل العمل الذي قام به، وفي حالات أخرى، قد يتعين على الشخص في حياتنا أن يثبت أنَّه موثوق، ونزيه، وجدير بثقتنا.
4. تحدَّث مع اختصاصي نفسي:
إذا كان نقص الثقة في الآخرين يؤثر في حياتك أو يسبب لك الضيق، ففكر في التحدث مع محترف في مجال الصحة النفسية، فقد تساعد بعض المناهج العلاجية على كشف واستبدال الأفكار السلبية الكامنة التي قد تؤثر في القدرة على الثقة.
يساعد الاختصاصي أيضاً الأفراد على ممارسة المواقف الاجتماعية وتطوير مهارات التكيف الجديدة التي قد تكون مفيدة عندما يتعلق الأمر بتعلُّم كيفية الثقة بالآخرين، فقد تكون العلاقة العلاجية مع الاختصاصي فرصة ممتازة أيضاً لتعلُّم وممارسة الثقة في شخص آخر.
في الختام:
تظهر أهمية الثقة بشكل لا يمكن إنكاره في نمو وتطور العلاقات والأفراد، وتتسارع مشكلات الثقة في هذا العصر التكنولوجي؛ إذ يتساءل الأزواج والأفراد عن كيفية بناء جسر من الثقة في عالم يملؤه التواصل الرقمي والتقنيات المتقدمة، ويظهر أنَّ الثقة تأتي من التواصل الصادق، والتزام الوعود، وتوفير بيئة يشعر فيها الطرف الآخر بالأمان، وبتعزيز الثقة، يمكن تجاوز مشكلاتها وبناء علاقات قائمة على الاستقرار والرعاية المتبادلة.
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.