بناء السد العالى.. كيف وثقته الثقافة؟
بدأ بناء السد العالى فى مثل هذا اليوم التاسع من يناير عام 1960 بارتفاع قدره 111 مترا وظل بناؤه قائمًا لمدة 10 سنوات حيث أعلنت مصر الانتهاء من إنشاءاته سنة 1970 وخلال تلك السنوات العشر جرى توثيق هذا البناء الضخم العظيم ثقافيا عبر الشعر والحكايات والروايات، فكيف جرى ذلك؟
والبداية مع عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب فأثناء بناء السد العالى، ذهب عبد الرحمن الأبنودى وصديقيه سيد حجاب وسيد خميس، لزيارة وزارة السد العالى، حيث كانت فى نفس الشارع الذى يسكن فيه “الأبنودى” وكان وقتها “حجاب” قد نشر قصيدة جديدة فى جريدة الأهرام، وعندما وصل الثلاثة إلى الوزارة وجدوا الموظف المسئول عن رحلات السد فى الوزارة، محتفظا بقصيدة “حجاب” تحت زجاج مكتبه، فعندما شاهدوا ذلك، قالوا “كده ضمنا إننا هنروح السد العالى مرتاحين”، وذلك بحسب كتاب “الملك والكتابة: قصة الصحافة والسلطة فى مصر 1950 – 1999” للكاتب الصحفى محمد توفيق.
لكن عندما طلبوا من الموظف الذهاب إلى السد ليكتبوا عنه، قال لهم “لا تتفاءلوا كثيرا إحنا مش فى الاتحاد السوفيتى الذى يرسل الشعراء والكتاب إلى المشاريع القومية، وأنصحكم بأن لا تحاولوا مرة أخرى، فلن تذهبوا”.
بالفعل تم رفض الزيارة، وعاد الثلاثة، لكن “الأبنودى” كرر المحاولة مرة أخرى، وسافر إلى السد العالى حين كانت الرحلة تستغرق يومين، ومكث مع العمال من أبناء قريته “أبنود” سبعة عشر يوما، وعاد “الابنودى” من تلك الرحلة الشاقة بديوان “حراجى القط.. العامل فى السد العالى”.
ويتألف ديوان حراجى القط من خطابات متبادلة مكتوبة ضمن قصائد عامية بين حراجى عامل السد العالى وزوجته “فاطنة”، كما ظل يذكرها الأبنودى، استخدمها الأبنودى ليتحدث عن الغربة والتحولات الكبيرة فى حياة المصريين أيام الستينيات، فحراجى يتحول من فلاح بسيط يعمل بالأجرة فى أراضى الغير فى بلدته الصغيرة فى الصعيد والتى لا يعرف من العالم غيرها إلى عامل فى مشروع السد العالى ويهاجر إلى أسوان.
ويحكى حراجى فى جوابات لزوجته فاطمة عن مشاهداته وانطباعاته عن أسوان، وكيف أن العمل فى بناء السد العالى كان سبباً فى انفتاح بصيرته على عوالم كانت مجهولة بالنسبة إليه، وحرص هذه الزوجة الريفية البسيطة على معرفة المزيد عن هذه العوالم عبر تساؤلاتها الساذجة فى ظاهرها، والعميقة فى مضمونها.
أغانى السد العالى
غنى عبد الحليم حافظ من كلمات أحمد شفيق كامل، الأغنية الشهيرة «حكاية السد» التى لحنها كمال الطويل :قولنا ها نبنى وآدى إحنا بنينا السد العالى، يا استعمار بانيناه بايدينا السد العالى …من أموالنا بإيد عمالنا”.
وحكايتها وفقا للكاتب الصحفى سعيد الشحات فى ذات يوم أن الشاعر أحمد شفيق كامل توجه إلى منزل الموسيقار كمال الطويل، ومعه نص أغنية وطنية جديدة لعبدالحليم حافظ، قرأ«الطويل» وعبدالحليم الكلمات، وحسب وصف «مجدى العمروسى»، مدير أعمال عبدالحليم وصديق عمره، فى كتابه «أعز الناس»، طبعة خاصة: «أخذا ينظران إلى بعضهما فى صمت غريب، الكلمات جديدة ومتطورة ليس لها مثيل فى الغناء أو التلحين قبل ذلك، واحد يخطب فى الناس يقول: «إخوانى، يردوا عليه ويحاوروه ثم يحكى حكاية مصر مع أمريكا والبنك الدولى وبناء السد العالى، إلى آخر ما جاء بالأغنية».
وقد عبرت كلمات الأغنية عن معركة بناء السد، التى شهدت تحديا عظيما من مصر لرفض أمريكا والبنك الدولى تمويل بنائه، فرد عبدالناصر على ذلك بتأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956، وقوله بتحدى: «سنبنيه حتى لو بالمقاطف والفؤوس»
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.