هل يمكن لوجهة النظر أن تكون سبباً للمعاناة؟
تشكُّل وجهة النظر:
يتلقَّى العقل المعلومات من الحواس الخمس، ويحلِّلها ويعطيها المعنى الذي يتوافق مع المعتقدات التي اكتسبها على مدار سنوات غالباً دون وعي إلى أن أصبحت جزءاً أساسياً من شخصية الإنسان، ونظام المعتقدات هذا هو السبب الرئيس في نظرتك للحياة والواقع الذي تعيشه، ولهذا السبب تُعَدُّ الخطوة الأولى لإحداث ثورة على مستوى التفكير هي المعرفة التامة بكل المعتقدات التي يتبنَّاها عقلك.
تذكَّر أنَّ وجهة نظرك تصنع واقعك، ومن ثمَّ مشاعرك، فلا يمكن إقناع أي شخص بشيء لم يجربه في الواقع وكما يقول المثل: “تستطيع أن تقود الحصان إلى الماء، لكن لا تستطيع أن تجبره على أن يشرب”؛ بمعنى أنَّه لا أحد يستطيع أن يسبِّب لك ألماً أو يفرض عليك شيئاً إن لم تسمح بذلك، والقصة الآتية بمنزلة توضيح بسيط:
فتاتان في الجامعة (جين وسالي) تجمعهما صداقة قوية وقد اعتادتا أن تتناولا العشاء معاً مساء كل جمعة، لكن في إحدى المرات اعتذرت “سالي” عن الموعد لأنَّها تشعر بالتعب، وبنفس اليوم خرجت “جين” مساء لشراء بعض اللوازم وفي طريقها فوجِئَت برؤية “سالي” تتناول العشاء بصحبة فتاة أخرى، فغادرت “جين” المكان بسرعة والدموع تملأ عينيها بسبب شعورها بالأذية والخيانة.
بقي المشهد عالقاً في ذهنها لأيام عدة واستنتجت أنَّ صديقتها تريد إنهاء العلاقة، وشعرت بقلق شديد من المواجهة وكيف ستسير الأمور عندما تلتقيان، وعندما حان موعد اللقاء أخبرت “سالي” “جين” أنَّ أختها أتت لزيارتها بشكل مفاجئ يوم الجمعة، لكن بسبب مرضها لم تتمكنا من قضاء وقت ممتع معاً.
هنا كانت الصدمة فقد اكتشفت “جين” الحقيقة وأدركت أنَّ كل ما شعرت به من ألم وحزن كان بسبب أفكارها وظنونها الخاطئة، وبعد أن أدركت الحقيقة شعرت بارتياح كبير، والحقيقة أنَّ معظم الناس يعانون لفترات طويلة بسبب استنتاجاتهم وإدراكهم الخاطئ لأمور الحياة كما في المثال السابق.
شاهد بالفديو: 7 نصائح لتغيير وجهة النظر في المواقف السلبية
التشبُّث بما هو خاطئ ضياع للوقت والطاقة:
المراحل الصعبة في الحياة هي فرصة للنمو والتطور، وما يصاحب ذلك من مشاعر مؤلمة هو فرصة للنضج؛ لذا تقبَّل تلك المشاعر دون حكم، وكن واعياً لها دون رفض أو مقاومة، وتلقائياً سيتراجع تأثيرها المؤلم، فمع كل موقف في الحياة تذكر أنَّ الشخص الذي يقف أمامك لديه همومه ومشكلاته الخاصة، لتتمكَّن من التحكم برد فعلك وضبط غضبك من أفعاله حتى لو كانت الأذية مباشرة.
عند التعمُّق أكثر ستدرك أنَّك مع كل موقف تعلمت درساً كان في النهاية لصالحك، وخاصةً تلك المواقف التي كنتَ فيها مُجبَراً على مواجهة المخاوف التي لطالما تجنَّبتها، فإنَّ أول خطوة للوصول إلى حالة من الامتنان هي الوعي؛ لأنَّك من خلاله ستتعرف إلى الحقيقة وستتحرَّر من الخوف وتتحكَّم في مشاعرك ومدى تأثير الأشياء فيك.
في أي موقف تشعر فيه بالأذية أو الغضب، حاول أن تطرح الأسئلة الآتية لتساعدك على تخطِّي الموقف:
- ما هي وجهة نظر الطرف الآخر حيال هذا الموقف؟
- هل قد تكون تجارب الطفولة القاسية هي السبب في تصرفاتهم؟
- هل يمكن استشعار الحاجة الطفولية للحب المختبئة وراء هذا التصرف بصرف النظر عن الأسلوب؟
- ماذا لو كان الطرف المقابل طفلاً؟ وماذا ستقول له ليكفَّ عن الأذى؟
- السؤال الأهم: ما الذي تعلمته من التجربة؟
- هل عززت هذه التجربة معتقداً خاطئاً لديك يمنعك من النمو؟
يمكن القول أنَّ وجهة النظر هي التي تصنع الواقع، ومن ثمَّ المشاعر، ولهذا السبب من المهم أن نكون واعين لمعتقداتنا وأفكارنا، وأن نتقبل وجهة نظر الآخرين حتى لو كانت مختلفة عن وجهة نظرنا، فهذا سيساعدنا على فهم العالم من حولنا بشكل أفضل، والتقليل من الألم والمعاناة التي قد نتعرض لها بسبب أفكارنا الخاطئة.
في الختام:
تذكر أنَّ الحياة هي مدرسة، وأنَّ كل موقف تمّر به هو فرصة للتعلم والنمو، لذا حاول أن تستفيد من كل موقف في حياتك، حتى لو كان مؤلماً، ففي النهاية ستتعلم منه درساً سيفيدك في حياتك.
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.