كيفية التعامل مع الاختبارات الحاسمة .. لمحة عن تجارب الدول في مختلف أجزاء العالم
الاختبارات غير الحاسمة: هي الاختبارات التي يستعملها المعلمون في تقويم الطلبة، وغالبًا ما يعدها المعلمون أنفسهم، وقد تعد مركزيًا، لكن تأثيرها لا يتجاوز قرار الترفيع للصف الدراسي التالي، أو قرار توزيع الطلبة بين الفصول بحسب تحصيلهم المعرفي، أو قرار إحالة الطلبة للفصول العلاجية. يعني أن هذه الاختبارات لن تؤثر في توجيه الطالب إلى المسار المهني بدلًا من المسار العام، مثلًا، في المرحلة الثانوية، أو لن تؤثر في قرار القبول في التعليم العالي. هي اختبارات مرتبطة بالعملية التعليمية التي تُجرَى في المدارس، وربما تكون إعادة السنة الدراسية أخطر القرارات التي يمكن أن ترتبط بها، بالرغم من أن الدول المتقدمة -في غالب الأحوال- لا تأخذ بسياسة إعادة السنة الدراسية، وإن أخذت بها ففي حدود ضيقة مبررة.
الاختبارات الحاسمة (المصيرية): هي الاختبارات التي تأتي عادة في نهاية المراحل التعليمية، وتبنى عليها قرارات القبول في المراحل التعليمية اللاحقة، ومن أبرز أنواعها اختبارات القبول في الجامعات، وهي عادة ما تكون مركزية، موحدة على مستوى الدولة أو الولاية (المنطقة)، وكثيرًا ما تنفذ من خلال هيئات مستقلة عن وزارة التعليم.
في أي دولة من الدول، يصعب إلغاء الاختبارات الحاسمة لأنها مرجعية وطنية، ولأهميتها في مواءمة قدرات الطالب مع متطلبات النجاح في المسار (المجال) التعليمي اللاحق، ولضمان العدالة وتكافؤ الفرص بين الطلبة. وتشير نتائج البحوث إلى أن التقويم الذي يجريه المعلمون في المدارس عادة ما يتحيز للطلبة ذوي المستويات الاجتماعية الاقتصادية الجيدة، بينما يزيد احتمال حصول الطلبة ذوي المستويات الاجتماعية الاقتصادية غير الجيدة على تقويم منخفض، أما الاختبارات الحاسمة فهي مركزية، وعادة ما تنفذها جهة مستقلة عن وزارة التعليم، فهي أكثر موضوعية، وغير متأثرة بهوية المختبر أو انطباعات مصحح الاختبار، الأمر الذي يقلص تحيزها ويزيد احتمال تكافؤ الفرص بين الطلبة بغض النظر عن ظروفهم الخارجية.
وإثر مسح اليونسكو الذي نفذ خلال الفترة 23-31 مارس، وشمل 47 نظامًا تعليميًا من 45 دولة اتضح ميل الدول عالية الدخل إلى إعادة جدولة مواعيد الاختبارات الحاسمة، حتى تتحسن الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، بينما مالت الدول منخفضة الدخل إلى إيجاد بدائل عن الاختبارات الحاسمة أو تنظيم فصول علاجية بعد إعادة افتتاح المدارس.
ويعرض الجدول 1 نتيجة المسح الذي تم من خلال اليونسكو، مع تحديثه وفق المستجدات، ويتضح أنّ معظم الدول استبقت الاختبارات الحاسمة أو أجلتها أو قررت تنفيذها عن بعد من خلال الإنترنت. ففي هونج كونج، أُجلت اختبارات شهادة الثانوية لمدة شهر، حيث تبدأ عادة قرب نهاية شهر مارس وتنتهي قرب نهاية شهر أبريل، لكنها أُجلت في هذا العام، وبدأ تنفيذها يوم 24 أبريل لتستمر حتى 25 مايو، شاملة 24 مادة من مواد المرحلة الثانوية، لأكثر من 52 ألف طالب وطالبة . وبالرغم من إغلاق المدارس إلا أن الاختبارات عقدت حضوريًا، مع الاحتياطات الكاملة لضمان عدم تعرض الطلبة لأي عدوى بفيروس كورونا، ومن ذلك إلزام الجميع (سواء أكانوا العاملين في إدارة الاختبارات أم الطلبة) بكمامات الوجه وتعقيم اليدين، وقياس درجة حرارة الطلبة قبل دخول الاختبار وتوقيع تعهد بالسلامة الطبية، مع إبعاد كل طاولة بمقدار متر على الأقل عن الطاولة الأخرى. وتعد اختبارات شهادة الثانوية أكثر الاختبارات أهمية في هونج كونج، حيث تبنى عليها قرارات القبول في الجامعة، كما تأخذ بها الشركات في التوظيف، فهي مصيرية بالنسبة للطالب ومؤثرة في مستقبله .
الجدول 1: ملخص بإستراتيجيات الدول في التعامل مع الاختبارات الحاسمة
المصدر: بناءً على مسح اليونسكو في نهاية شهر مارس الماضي ، مع تحديث وفق المستجدات، ووفق المعلومات المقدمة من ممثلي البنك الدولي، مشكورين، يوم 11 مايو.
وفي ألمانيا، تعد اختبارات نهاية المرحلة الثانوية (أبيتور، Abitur) من أهم محكمات القبول في الجامعة. تحتسب ثلث قيمة التقديرات التي يحصل عليها الطلبة في شهادة نهاية المرحلة الثانوية من أدائه في اختبارات أبيتور، بينما يأتي الثلثان الآخران من أعمال الطلبة في المدارس خلال العامين الأخيرين من المرحلة الثانوية (الصفين الحادي عشر والثاني عشر)، ورغم ذلك لم يكتف بالتقديرات الممنوحة على أعمال الطلبة في المدارس، بل عقدت الاختبارات في بعض الولايات، وستعقد في مواعيدها في ولايات أخرى، وأجلت لبعض الأسابيع في مجموعة ثالثة من الولايات الألمانية؛ وفي كل الأحوال، ستصحب الاختبارات إجراءات صارمة، من التعقيم والتباعد ونحوها من الخطوات الضامنة لسلامة المنشغلين في الاختبارات من طلبة وكوادر تعليمية وإدارية، فلا يزيد عدد المختبرين على ثمانية في قاعة الصف الواحدة، وعند الاصطفاف لدخول قاعة الاختبار يجب أن يترك كل طالب مسافة متر ونصف بينه وبين الطالب الذي أمامه .
وفي هنغاريا، ورغم استمرار إغلاق المدارس منذ منتصف شهر مارس، إلا أن اختبارات نهاية المرحلة الثانوية بدأت يوم 4 مايو، لأكثر من 80 ألف طالب، ويديرها أكثر من 6 آلاف معلم في قرابة 1000 مركز. ويصحب الاختبارات إجراءات صحية صارمة، حيث يلتزم الجميع بلبس الكمامات والقفازات المطاطية، مع إبعاد الطاولات مسافة متر ونصف كل واحدة عن الأخرى، ولا يزيد عدد المختبرين على 10 في أي من غرف الصف المستعملة في قاعات الاختبارات، مع إلغاء الاختبارات الشفهية لمنع التقارب.
وفي جمهورية مصر العربية، أُعلن جدول اختبارات الثانوية العامة ، حيث ستبدأ يوم 7 يونيو وتنتهي يوم 5 يوليو، لمدة عشرة أيام، مع تباعد الأيام، ثلاثة أيام في الأسبوع الأول (الأحد والثلاثاء والخميس)، ويومين في الأسبوع الثاني (الأحد والثلاثاء)، ويومين في الأسبوع الثالث (الأحد والخميس)، ويومين في الأسبوع الرابع (الأحد والخميس) ويوم واحد في الأسبوع الخامس (الأحد). وصرح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بأن عقد اختبارات الثانوية العامة هو السبيل الوحيد المتاح لإنهاء العام الدراسي، وأنه لا مجال لإلغائها، فهي الاختبارات القانونية لإنهاء المرحلة الثانوية والقبول بالجامعة. وبحسب ما صرح به الوزير، سيوُفر القدر اللازم للحماية الصحية في الاختبارات، من تعقيم اللجان قبل وبعد الاختبار، وتوفير الكمامات للطلبة والمراقبين يوميا، وتوفير بوابات تعقيم للجان .
وفي المملكة الأردنية الهاشمية، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إقامة اختبارات الثانوية العامة (التوجيهي) في موعدها، في الأول من شهر يوليو 2020، حيث ستخصص 65% من الدرجة من كل مادة لمحتوى الفصل الأول، وتخصص 20% لمحتوى الفصل الثاني قبل تعليق الحضور للمدارس، وتخصص 15% لمحتوى الفصل الثاني الذي دُرس عن بعد، بينما تقرر أن تكون الوحدة الأخيرة من كل مادة للمطالعة، ولن يدرج منها أي سؤال في الاختبار النهائي. ولإتاحة الوقت الكافي لتعقيم المدارس، أقرت وزارة التربية والتعليم خمسة أيام بين كل اختبار والذي يليه، على أن يقلص مجموع عدد أيام الاختبار من عشرة إلى خمسة أيام. وستراعي خلال جلسات الاختبار شروط السلامة المتفق عليها مع وزارة الصحة،من خلال تحقيق التباعد الجسدي بين الطلبة في القاعات لمسافة مترين ونصف بين كل طالبين، مع توفير كمامات وقفازات ومعقمات وأقلام للطلبة لاستخدامها خلال الاختبار. ويتوقع أن يلتحق بالاختبار أكثر من 178 ألف طالب وطالبة .
وفي الیابان، تتألّف اختبارات القبول في الجامعات من اختبارين يعقدان في مرحلتين مختلفتين: اختبار المركز الوطني للدخول للجامعات (المرحلة الأولى) والاختبار الذي تنفذه الجامعات نفسها. نفذت المرحلة الألى في وقتها في شهر يناير 2020، وبسبب الجائحة، طلبت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية من الجامعات إلغاء اختباراتها، فاستجابت بعض الجامعات واكتفت باختبارات المرحلة الأولى، لكن جامعات أخرى لم تستجب ونفذت اختبارات القبول الخاصة بها كما كان مقررًا، مع اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المختبرين .
وبالرغم من أن المملكة المتحدة قد ألغت الاختبارات المركزية للشهادة العامة للمرحلة الثانوية (GCSE) وكذلك المستوى المتقدم (A-level)، وكلاهما يستعمل كمعايير قبول في الجامعات، إلا أنها استبدلتها بالتقويم الذي ينفذه المعلمون في المدارس، جزء منه على الأعمال التي أنجزها الطلبة في الدراسة، وجزء منه بناءً على اختبارات يجريها المعلمون أنفسهم، وفق معيارية معينة مقرة. وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا، حيث تجرى عادة اختبارات البكالوريا (اختبارات شهادة المرحلة الثانوية) في شهر يونيو، ويعتمد عليها كمعيار للقبول في الجامعة، لكنها في هذا العام لن تنفذ مركزيًا كالمعتاد، بل استبدلت بالدرجات التي يرصدها المعلمون وفق معيارية محددة بناءً على أعمال الطلبة والاختبارات التي تنفذ في المدرسة، مع صرامة أكثر فيما يخص المدارس الأهلية، وستنفذ اختبارات البكالوريا في شهر سبتمبر للحالات الخاصة من الطلبة، مثل الطلبة الكبار غير الملتحقين بالمدارس ومراكز التدريب الحكومية الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم العالي.
واتجهت بعض الدول إلى تنفيذ الاختبارات الحاسمة من خلال الإنترنت، بحيث لا يحتاج الطلبة إلى الخروج من منازلهم لأداء الاختبار، مع توظيف الذكاء الاصطناعي لتعرف هوية المختبرين واكتشاف حالة الغش ومنعها. ففي بريطانيا، أعلنت جامعتا أكسفورد وكامبريدج إجراء الاختبارات الصيفية على شبكة الإنترنت، كما نفذت اختبارات طلبة العام السادس في كليات الطب من خلال شبكة الإنترنت .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ مجلس الكليات (College Board) يوم 11 مايو تنفيذ اختبارات المستوى المتقدم (Advanced Placement Tests, AP tests)، وهي اختبارات للتحصيل في بعض مواد المرحلة الثانوية، بحيث تحتسب للطالب في دراسته في الكليات. يتقدم لهذه الاختبارات ثلاثة ملايين طالب، بعضهم خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تتوقف قيمتها على مساعدة الطالب ليتجاوز بعض مقررات الدراسة الجامعية، بل تستعملها بعض الجامعات كمعيار قبول، كدليل على جودة الدراسة في المرحلة الثانوية. ولأن الاختبار يقدم لأول مرة من خلال الإنترنت، ولظروف جائحة كورونا، فقد أدخلت تعديلات على الاختبار، حيث قلص وقته إلى 45 دقيقة بدلًا من 3 ساعات، كما اقتصر على المحتوى الذي قام بتدريسه معظم المعلمين حتى النصف الأول من شهر مارس . وصرح المتحدث باسم مجلس الكليات، بأن اختبار التحصيل الدراسي (SAT)، وهو اختبار القبول للتعليم العالي واسع الاستعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، سيعقد عبر الإنترنت أيضًا، إذا لم يتيسر عودة الطلبة حضوريًا للمدارس في شهور الخريف من هذا العام، بالاستناد إلى تجربة مجلس الكليات في تقديم اختبارات المستوى المتقدم عبر الإنترنت، وبالاستفادة من التقدم التقني وبرمجيات الحماية التي تغلق كل التطبيقات ماعدا التطبيق المستعمل في تنفيذ الاختبار، مع توظيف المايكروفون والكاميرا لرصد أي حركة أو ضوضاء، مع استعداد مجلس الكليات للتعاون مع الولايات وإدارات التعليم لتوفير التقنية والإنترنت للطلبة ذوي الظروف غير الجيدة . وبالطريقة نفسها يجري التخطيط لاختبار الكليات الأمريكي (المعروف اختصارًا باسم “أي سي تي”، ACT)، وهو المعيار الرئيس الثاني للقبول في التعليم العالي .
وعربيًا، أعلنت وزارة التربية والتعليم بالإمارات العربية المتحدة أن اختبارات الصف الثاني عشر لهذا العام ستكون من خلال الإنترنت، تحت إجراءات رقابية ذكية، وستقتصر على محتوى المناهج في الفصل الدراسي الثالث من العام الدراسي . وفي مصر أيضًا، ستنفذ اختبارات الصفين العاشر والحادي عشر إلكترونيًا من خلال الإنترنت، وستقتصر على ما درسه الطلبة قبل تعليق الحضور للمدارس .
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.