سره الباتع .. القصة الكاملة لـ سليمان الجوسقى سلطان العميان
نشاهد فى مسلسل سره الباتع، للمخرج خالد يوسف، قصة السلطان حامد البطل الشعبى الذى وقف ضد المحتل الفرنسى، والتاريخ الحقيقى به مثل هذا الرجل، ومنهم الشيخ الأعمى سليمان الجوسقى الملقب بسلطان العميان.
كان الناس يلقبون سليمان الجوسقى بسلطان العميان، وقد دفعنى للإعجاب بشخصه الكاتب الكبير على أحمد باكثير فى مسرحيته الدودة والثعبان، وهى تدور عن الحملة الفرنسية، حيث قدمه مواطنا صالحا حالما ذا بصيرة وذا رأى وذا قدرة على الفعل.
والجوسقى كما جاء فى المسرحية رجل أعمى قاد شعبًا من العميان وحلم بأن يحولهم إلى جيش مصري، بل إنه حلم بأكثر من ذلك أن يكون سلطانًا على مصر، ويعد صوتًا بارزًا لعلى أحمد باكثير في خطابه المسرحي، بل أكثر من ذلك، إنه يد الخطاب ففي نهاية مسرحية الدودة والثعبان وفي أثناء محاكمة الفرنسيين لرجال الثورة المصرية يلطم سليمان الجوسقي نابليون بونابرت على وجهه.
ويقدم خطاب باكثير شخصية سليمان الجوسقي كما يُحب، وذلك اعتمادًا على وجوده التاريخي، وفي الوقت نفسه عدم احتفاء التاريخ الرسمي به، فيجعله محملًا بأفكار كبرى هي في الحقيقة أفكار باكثير وعلي رأسها البحث عن جيش الخلاص القادر على الخروج بالوطن من أزماته التي يصنعها له الاستعمار والمتخاذلون.
وقال عنه الجبرتى فى عجائب الآثار، الجزء الثانى، صفحة 278 “ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقى شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الآن بالشنوانى، تولى شيخا على العميان المذكورين بعد وفاة الشيخ الشبراوى، وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم أموالا عظيمة وعقارات”.
لكن من الواضح أن الجبرتى لم يكن يحبه كثيرا فقال عنه ما معناه أن سليمان الجوسقي كان يتحكم في جيش من العميان ويتاجر في الغلال، وله أعوان يرسلهم إلى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون إليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها فى سنى الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته فى البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة فى طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالأسواق والأزقة وتغنيهم بالمدائح الخرافات وقراءة القرآن فى البيوت ومصاطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت”.
بينما يقول عنه كتاب المقاومة الحضارية: دراسة فى عوامل البعث فى قرون الانحدار لـ هانى محمود “كان شيخا لطائفة العميان، وقد أحسن تنظيم العميان وتفانى فى خدمتهم ورعايتهم واستخلاص حقوقهم، وتفنن فى وسائل توفير الموارد لكفايتهم حتى صار للعميان فى عهده صولة بحيث يخشى منهم ولم يقتصر عطاء الشيخ على طائفة العميان، بل كان يقرض أكابر البلاد الأموال الكثيرة”.
ومما أعجبنى أن الشيخ سليمان الجوسقى وهو رجل أزهرى لم يكن يعترف بعجزه، وعندما قامت الثورة ضد الفرنسيين، عرف نابليون أن الشيخ الجوسقى ورجاله العميان من صناع هذه الثورة، لذا أمر نابليون بالقبض عليه، وحاول استمالة الشيخ، قدم له العديد من العروض التى رفضها وقابلها بالاستهزاء، إلى أن قدم له العرض الأكبر، وهو أن يجعله سلطانا على مصر، فأظهر الشيخ قبولا للعرض، ومد نابليون يده إليه متنفسا الصعداء، ومد الشيخ يده اليمنى مصافحا إياه، وكانت المفاجأة أن رفع يده اليسرى ليصفع الأوروبى العظيم صفعة قوية على وجهه، وسجل الأديب الكبير على أحمد باكثير هذا الموقف فى مسرحيته “الدودة والثعبان”، وأورد على لسان هذا البطل قوله: “معذرة يا بونابرته هذه ليست يدى .. هذه يد الشعب”، فجن جنون نابليون وأمر بقتل الرجل وإلقاء جثته فى النيل.
تم اقتياده بواسطة عساكر الفرنسيين إلى سجن القلعة لاستجوابه ومحاكمته وإعدامه، ورغم إدانته لم يتم إعدامه مع قادة الثورة الذين أعدمهم الفرنسيون لكونه كفيفاً وظل فى السجن عدة شهور حتى لقى ربه.
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.