لغة الإنسان الأول.. كيف تحدث الآباء الأوائل للبشر؟
يحتفل عدد كبير من دول العالم اليوم، بما يعرف اليوم العالمى للغة الأم، وهو احتفال سنوى فى جميع أنحاء العالم لتعزيز الوعى بالتَنوع اللغوى والثقافى وتعدد اللغات، وقد اعتبر 21 فبراير، من كل عام، اليوم العالمى للغة الأم.
وهناك تاريخ يدعى تاريخ اللسانيات وهو تاريخ يدرس تأسيس ومراحل تطور اللغات عبر الأزمنة المختلفة، ويهتم بدراسة اللغات الأقدم في العالم وخصائص وتراكيب الجمل والمفردات لكل لغة وقواعد أوجه الشبه والاختلاف فيما بينها.
نشأت اللغات؟
ولعل أمر نشأة اللغات فى العالم من الأشياء المختلف عليها، ولا يوجد رأى ثابت فيها، فبينما هناك اعتقادات دينية مثل واقعة برج بابل، أو الاعتقاد بأن العربية كانت اللغة الأم التى تحدث بها أدم أبو البشر، وبين ما يرى أن اللغات ظهرت مع ظهور الإنسان، وطرق التعبير التى عبر بها الأوائل.
وتشير بعض الدراسات البحثية فى نتائجها إلى أن البابلية هى اللغة الأم القديمة التى تكلم بها البشر منذ ما يزيد عن 5000 عام، وذلك ربما تماشيا مع أن أقدم سجلات مكتوبة ومعروفة حتى الآن فهي صور الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة عام، أي في حدود 3500 ق.م، فيما وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، أى فى حدود 1500 ق.م، كما وجدت سجلات بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام.
ويعتقد أن السومرية تكونت من البابلية كلغة أم، وقد اندثرت هذه اللغات مع اندثار حواضنها الحضارية والبشرية كالأكادية والفينيقية، إذ نستطيع أن نطلق عليها وصف اللغات الميتة لغيابها تماماً عن المشهد اللغوي المعاصر.
لغة الإنسان الأول
هناك رأى بأن سيدنا آدم تكلم اللغات كلها، قال تعالى: “وعلم آدم الأسماء كلها” سورة البقرة، فالأسماء هنا تعني الأحرف كلها، وتشمل كل اللغات، ألهمه الله معرفتها وهو علماها لأبنائه الذين علموها لأبنائهم وانتشرت هذه اللغات، بينما في قول آخر أن العربية هي اللغة التي تكلم بها سيدنا آدم، وأن اللغة العربية هي أصل اللغات ومنها اشتقت كل اللغات، والدليل أن اللغة العربية حافظت على خصائصها اللغوية من إعراب واشتقاق ومعاني وغيرها، وهذا ما لا يوجد في أي لغة ما زالت حية الآن وهذا دليل على أصليتها وقوتها، ومدى استمراريتها، بحسب تعبير البعض، لكن بالتأكيد لا يوجد دليل علمي ملموس يؤكد هذا الاعتقاد.
الرأى الدينى
“بددهم يهوه من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بناء المدينة. لذلك دعى اسمها بابل، لأن يهوه هناك بلبل لغة كل الأرض” هكذا جاء فى سفر التكوين بالتوراة، وهكذا يعتقد الكثيرون في نشأة اللغات، حيث يقال إن سلالة من أبناء النبى نوح، شرعوا فى بناء برج بابل، وذلك لرغبتهم أن يوصلوه إلى السماء، لكن الإله السرمدى فرق الألسن (أي بلبلها) بحسب السفر ليمنعهم من تحقيق أمنيتهم وشتتهم بعدئذ فى مغارب الأرض ومشارقها.
كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى.
فيما يرى الرأى الدينى في الإسلام، أن أصل اللغة توقيفي من الله تعالى علمها لنبيه آدم عليه السلام عندما خلقه فقال تعالى: وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا {البقرة: 31} قال صاحب المراقي : واللغة الرب لها قد وضعا * وعزوه للاتفاق سمعا.
وأما تفرقها وتطورها فقد جاء بعد الطوفان عندما انتشرت ذرية نوح وتفرقت في البلاد، فيذكر أبن كثير في “البداية والنهاية” أن الانقسام بدأ من عصر أبناء نوح عليه السلام: فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام، قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77]. فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم سام وحام ويافث. ثم ساق الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم. وإسناده ضعيف، ثم قال: عن سعيد بن المسيب أنه قال: ولد نوح ثلاثة: سام ويافث وحام، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة، فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام القبط والسودان والبربر.
الرأى العلمى
العلماء والباحثون يميلون إلى رأيين مختلفين في مسألة نشأة اللغة فمنهم من يقول بأنَّ اللغة خُلقت مع الإنسان، ومنهم من يقول بأنها تطوّرت ببطءٍ خلال مراحل النمو المختلفة للبشر، ووفقاً للغويين الأشهر في العالم دويتشر وماكوورتير يبقى أصل ظهور اللغة غامضاً منذ آلاف السنين وحتى وقتنا الحالي.
يفترض بعض العلماء ان اللغات العصرية تفرعت من لغة اصلية واحدة هي “اللغة الأم” التي يظنون ان البشر نطقوا بها قبل نحو 100 ألف سنة، ويدعي آخرون أن اللغات اليوم تعود جذورها الى لغات اصلية عديدة استُخدمت منذ 6 آلاف سنة على الأقل، وتذكر مجلة ذي إيكونوميست (بالانجليزية): «هنا تكمن المشكلة! فبخلاف علماء الاحياء، ليس لدى علماء اللغة احافير تروي لهم احداث الماضي». وتضيف هذه المجلة ان احد العلماء الباحثين في تطور اللغة يخلص الى استنتاجاته معتمدا على «تخمينات ترتكز على عمليات حسابية».