مهارات التواصل

كيف تقدِّم نقداً بناءً بلباقة


سنتناول في هذا المقال كيفية تقديم النقد البنَّاء تقديماً يحافظ على العلاقات الإيجابية ويشجع على التحسين المستمر، من خلال مهارات واستراتيجيات مدروسة تضمن تأثيراً إيجابياً سواء في محيط العمل أم الحياة الشخصية.

ما هو النقد البنَّاء؟

هو عملية تقديم ملاحظات تحسِّن الأداء أو سلوك شخص معيَّن بطريقة هادفة وداعمة، فهو يختلف عن النقد الهدَّام الذي يركز فقط على السلبيات ويُهمل تقديم الحلول أو البدائل، ممَّا قد يؤدي إلى إحباط الشخص المعني. يتضمن النقد البنَّاء تشخيص المشكلات مع اقتراحات للتحسين، مما يحفِّز النمو والتطور؛ إذ يركز النقد البنَّاء على النمو الشخصي والمهني، في حين أنَّ النقد الهدَّام قد يعوق ذلك.

أهمية النقد البنَّاء

يعدُّ أداة أساسية لتحسين الأداء الشخصي والمهني، فهو يساعد الأفراد على التعرف على نقاط قوتهم وضعفهم، ممَّا يتيح لهم الفرصة لتطوير مهاراتهم بطرائق مدروسة، كما أنَّ النقد البنَّاء يعزز التحسين المستمر في العمل والبيئة التعليمية، ويشجع على الانفتاح والتعلم المستمر، ويبني على مستوى العلاقات الشخصية والمهنية الثقة ويعزز التعاون بين الأفراد والانفتاح على الملاحظات لتحسين الأداء.

دور النقد في تعزيز الأداء

يمكن أن يكون النقد البنَّاء دافعاً قوياً للأداء العالي، من خلال تقديم ملاحظات بناءً على أفعال محددة وواقعية، يعمل الشخص بأفضلية في المستقبل، فهو يركِّز على الأهداف الشخصية والمهنية، ويشجع الأفراد على التميز وتجاوز تحدياتهم. يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تحفيز الآخرين ودفعهم لِتحقيق إمكاناتهم بالكامل إذا قُدِّم بلباقة وبطريقة مدروسة.

مهارات تقديم النقد بلباقة

توجد مجموعة من المهارات التي يساعد تطبيقها على تقديم النقد بلباقة، مما يعزز من فعاليته ويحقق نتائج إيجابية سواء في الحياة المهنية أم الشخصية، وهي:

1. الاستماع الفعَّال

يجب الاستماع بعناية للشخص الآخر قبل تقديم أي نوع من النقد، لأنَّ الاستماع الفعَّال يتطلب التفاعل مع ما يقوله الشخص وفهم وجهة نظره بالكامل، فهذا يعكس الاحترام ويشجع الشخص على أن يكون أكثر انفتاحاً لتقبُّل النقد. يصبح النقد أكثر قبولاً عندما يشعر الشخص بأنَّك تهتم بما يقوله، مما يعزز التواصل الفعَّال ويقلل من أية مشاعر دفاعية.

2. استخدام “الرسائل الشخصية”

إحدى أفضل الطرائق لتقديم النقد بلباقة هي استخدام الرسائل الشخصية، فبدلاً من قول “أنت تفعل هذا فعلاً خاطئاً”، يمكن أن تقول “أعتقد أنَّه يمكن تحسين هذه الطريقة”. يُركَّز بهذه الطريقة على الأفعال بدلاً من الأشخاص، مما يقلل من أي شعور بالهجوم أو الانتقاد الشخصي. تمنح هذه الرسائل الشخص المجال للتفكير في كيفية التحسين دون الشعور بالإهانة.

3. التحدث بلغة إيجابية

يجب أن يكون النقد موجَّهاً بطريقة إيجابية تركز على التحسين، فبدلاً من التركيز على الأخطاء أو السلبيات، حدِّدْ المجالات التي يمكن تحسينها واعرضها بلغة تشجع الشخص على التغيير، بدلاً من قول “هذا غير جيد”، يمكن قول “هناك فرصة لتحسين هذا الجزء بأفضلية”. تعزز هذه اللغة الإيجابية من فعالية النقد وتجعله أكثر تأثيراً.

4. التوقيت المناسب

توقيت تقديم النقد له تأثير كبير في كيفية تلقيه؛ لذا من الأفضل تقديم النقد في وقت مناسب، فيكون الشخص الآخر مستعداً للاستماع، وعليه تجنُّب تقديم النقد عندما يكون الشخص في حالة من التوتر أو الانشغال؛ بل اختر وقتاً هادئاً ومناسباً حتى يكون النقد أكثر قبولاً. يعزز التوقيت المناسب الفهم والاستجابة الإيجابية.

5. تقديم الحلول

لا يكفي أن تقدِّم النقد من دون تقديم حلول عملية؛ لذا عندما تشير إلى المشكلة أو الخطأ، من المفيد أن تقدِّم أيضاً اقتراحات للتحسين، فهذا يوضح للشخص أنَّ النقد ليس هدَّاماً؛ بل يبني ويُحسِّن الوضع، فتقديم الحلول يجعل النقد أكثر فاعلية ويشجع الشخص على العمل تجاه التغيير.

شاهد بالفيديو: كيف تتقبل النقد وتتعامل مع الانتقادات السلبية في العمل؟

  

استراتيجيات لتقديم النقد بلباقة

لتقديم النقد بأسلوب لبق يجب اتباع عدة استراتيجيات: 

1. تقنية “ساندويتش النقد”

تعدُّ تقنية “ساندويتش النقد” من أكثر التقنيات فعالية لتقديم النقد بلباقة، فهي تتضمن تقديم ملاحظات إيجابية في البداية، ثمَّ تقديم النقد، وأخيراً اختتام الحديث بنغمة إيجابية. تخفِّف هذه التقنية وقع النقد؛ إذ تمنح الشخص شعوراً بالإيجابية أولاً، ممَّا يجعل قبول النقد أسهل، فمن خلال تعزيز الجوانب الإيجابية أولاً، يشعر الشخص بالدعم والثقة، بينما تُتناوَل الجوانب التي تحتاج إلى تحسين بطريقة أقل تهديداً.

2. تحديد الأهداف الواضحة

يمكن تجنُّب شعور الشخص بالهجوم من خلال التركيز على الأهداف والنتائج، بدلاً من الانتقاد الشخصي، فعندما يرتبط النقد بتحقيق أهداف محددة وواقعية، يصبح أكثر قبولاً ويظهر أنَّ الهدف من النقد هو التحسين وليس إضعاف الشخص. يركِّز الشخص على التطور والنمو بدلاً من الانشغال بالانتقاد الشخصي.

3. التحلي بالتعاطف

تعدُّ واحدة من أهم الاستراتيجيات لتقديم النقد بلباقة، فمن الهام أن تضع نفسك في مكان الشخص الآخر وتفهم مشاعره وظروفه قبل تقديم النقد. عندما يشعر الشخص أنَّك تدرك تحدياته وتتفهم موقفه، يصبح أكثر استعداداً للاستماع إلى النقد واعتباره فرصة للتحسين. يعزز التعاطف من التواصل الإيجابي ويقلل من احتمالية أن يُفهَم النقد على أنَّه هجوم شخصي.

4. التوازن بين النقد الشخصي والمهني

يجب أن يكون النقد متوازناً بين الجوانب الشخصية والمهنية، ففي بيئة العمل، يمكن أن يكون النقد المتعلق بالأداء المهني مفيداً لتوجيه الشخص تجاه تحسين أدائه، بينما قد يكون النقد الشخصي أكثر حساسية. يجب أن يستند النقد المهني إلى معايير موضوعية، مع تجنُّب المساس بجوانب شخصية قد تؤثر سلباً في علاقة العمل. يحافظ التوازن بين النقد الشخصي والمهني على بيئة عمل صحية ويبني الثقة بين الأفراد.

يصبح النقد أداة فعَّالة لتحفيز الآخرين على التحسين والنمو، ويعزز من جودة العلاقات الشخصية والمهنية على حد سواء إذا طُبِّقَت تلك الاستراتيجيات.

التعامل مع ردود الفعل بعد النقد

بعد التعرض للنقد يجب التفكير بطريقة التعامل مع هذا النقد: 

إدارة ردود الفعل العاطفية

قد يتلقى بعضهم النقد تلقٍ غير لائق أو دفاعي، خاصة إذا كانت الملاحظات تمس جوانب حساسة، ففي هذه الحالة، من الضروري أن تكون هادئاً ومتفاهماً؛ لذا لا تتفاعل تفاعلاً عاطفياً أو دفاعياً؛ بل استمِعْ إلى رد فعل الشخص وتجنَّب التصعيد، واستخدِمْ عبارات مطمئنة تؤكد على الهدف الإيجابي من النقد، مثل “أفهم أن هذا قد يكون محبطاً، ولكنَّ الهدف هو مساعدتك على التحسين”. كما يمكن أن يساعد توفير مساحة للآخرين للتعبير عن مشاعرهم على تهدئة الموقف.

التحلي بالصبر

يجب أن تكون مستعداً لمنح الشخص وقتاً كافٍ لامتصاص النقد وفهمه، فقد يحتاج الفرد إلى بعض الوقت لتجاوز ردود الفعل الأولية، وقد يكون من الأفضل عدم الانتظار لتلقي رد فوري، فالصبر هام، خاصة إذا كان الشخص بحاجة إلى وقت لمعالجة النقد بموضوعية. يُظهر الشخص الآخر أنَّك تحترم مشاعره من خلال منح الوقت، مما يبني علاقة قائمة على الثقة والتفاهم.

الاستمرار في الدعم الإيجابي

يجب أن تستمر في دعم الشخص بعد تقديم النقد، من أجل التأكُّد من أنَّ النقد يؤدي إلى تحسُّن حقيقي، فيمكن القيام بذلك من خلال متابعته وتقديم ملاحظات إيجابية عند رؤية تحسن في أدائه. يعدُّ تعزيز التغيير الإيجابي هاماً للتقدم وتحفيز الشخص على الاستمرار في تحسين ذاته، كما يمكن تقديم المساعدة ليظل الشخص متحفزاً ويشعر بالدعم المستمر.

يمكن باتِّباع هذه الخطوات تحويل ردود الفعل السلبية إلى فرص للتحسين الشخصي والمهني، مما يعزز من فعالية النقد ويضمن تغييراً إيجابياً طويل الأمد.

الأخطاء الشائعة عند تقديم النقد

عند تلقي النقد هناك مجموعة من الاخطاء يجب الابتعاد عنها وتجنبها:

1. التركيز على الشخصية بدلاً من التصرفات

من الأخطاء الشائعة عند تقديم النقد هو التركيز على الشخص ذاته بدلاً من التركيز على تصرفاته أو أفعاله؛ لأنَّ انتقاد الشخص مباشرة، مثل قول “أنت دائماً كسول” أو “أنت غير كفء”، يمكن أن يسبب إحراجاً ويعوق التقدم. يؤثر النقد الذي يهاجم الشخصية سلباً في الثقة بالنفس ويؤدي إلى حالة دفاعية من الشخص المتلقي، فبدلاً من ذلك يجب التركيز على التصرفات المحددة، مثل “لاحظتُ أنَّك لم تكمل المهمة في الوقت المحدد” أو “هناك مجال لتحسين التنظيم في العمل”، مما يجعل الشخص يشعر أنَّ النقد يتعلق بسلوكاته التي يمكن تعديلها، وليس بشخصه.

2. استخدام الكلمات الحادة

تخلق الكلمات الحادة أو القاسية جواً من التوتر والمقاومة، فاستخدام عبارات، مثل “أنت فاشل” أو “هذا غير مقبول” يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير، استخدِمْ بدلاً من ذلك لغة أكثر دبلوماسية وإيجابية. يحافظ التعبير عن الملاحظات بأسلوب معتدل، مثل “أعتقد أنَّ هناك فرصة للتحسين في هذه النقطة” أو “يمكنك أن تحقق نتائج أفضل إذا عدَّلتَ هذا الجانب” على الاحترام المتبادل ويسهِّل تقبُّل النقد.

3. تقديم النقد أمام الآخرين

يعدُّ تقديم النقد أمام مجموعة من الناس أو في العلن من أكبر الأخطاء، فيمكن أن يشعر الشخص المتلقي بالإهانة والحرج، ويمكن لِنقد شخص ما أمام الآخرين أن يحطم معنوياته ويجعله يشعر بالعجز أو الإحراج؛ لذلك من الأفضل دائماً أن يتم النقد في جلسات خاصة، بعيداً عن أعين الآخرين، مما يعزز من بيئة الثقة ويسهِّل على الشخص استيعاب النقد دون أن يشعر بأنَّه مُستهدف أو مُحرَج.

يمكن أن يكون النقد أكثر تأثيراً وإيجابية بإدراك هذه الأخطاء وتجنُّبها، مما يعزز من عملية التحسين الشخصي والمهنية دون أن يتسبب في توترات أو مشاعر سلبية.

في الختام

يتَّضح أنَّ النقد البنَّاء هو أداة قوية لتحفيز التحسين والنمو سواء على المستوى الشخصي أم المهني، فمن خلال تقديم النقد بلباقة، يمكن تعزيز العلاقات وبناء بيئة عمل صحية تركز على التطوير المستمر. يتطلب النقد البنَّاء مهارات الاستماع الفعَّال، والتوقيت المناسب، واستخدام لغة إيجابية، مما يساعد على تجنب النزاعات وتحقيق النتائج المرجوَّة.

ندعوكم لتطبيق هذه التقنيات في حياتكم اليومية، سواء في العمل أم في العلاقات الشخصية. ستحفِّزون الآخرين بتقديم النقد البنَّاء بلباقة على النمو، وتعززون بيئة من التعاون والاحترام المتبادل، فالنقد البنَّاء لا يقتصر على إبداء الملاحظات فقط؛ بل هو عملية مستمرة تعزز من تطور الفرد والجماعة على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى