كيف تحسِّن جودة تواصلك مع الآخرين؟
مشاركة التجارب الإنسانية بالغة الصعوبة، وخاصة عند سردها من خلال الرسائل النصية، أو البريد الإلكتروني، أو منصات التواصل الاجتماعي، وتهدف دراسات علم التواصل لتحسين عملية تناقل التجارب الإنسانية، وهي هامة جداً في أوساط الأعمال التجارية، لأنَّها تتطلَّب من الشركات التواصل مع شرائح مختلفة ومتنوعة من الجمهور المستهدف.
تستفيد الشركات من تقنيات التواصل الإنساني الفعَّال في اتخاذ التدابير التي تضمن إيصال رسائل واضحة لشريحة متنوعة من الجمهور المستهدف، وتقتضي الخطوة الأولى فهم مبادئ علم نفس اللغة والتواصل، ويُطلَق اصطلاح “التزامن العصبي” (neural coupling) على الظاهرة المسؤولة عن التواصل الإنساني الفعَّال في مستوى الدماغ.
التزامن العصبي
يتَّسم علم نفس اللغة والتواصل بالتعقيد، وقد اختلف الباحثون في تحديد المناطق المسؤولة عن اللغة في الدماغ، ويفترض بعضهم أنَّ اللغة تصدر عن منطقة واحدة في الدماغ، في حين يؤكِّد آخرون أنَّها ظاهرة تتطلب حدوث نشاط متزامن ضمن عدة مكونات دماغية.
ثمَّة مكوِّنات دماغية مسؤولة عن استيعاب اللغة مثل “منطقة بروكا” (Broca’s area) و”باحة فيرنيكه” (Wernicke’s area)، وتؤدِّي إصابة هذه المناطق عند البالغين إلى حدوث قصور في القدرة على الاستيعاب اللغوي، وهو ما يُطلَق عليه اسم “الحبسة”.
تؤكِّد دراسات علم الأعصاب الحديثة أنَّه ليس ثمَّة منطقة محدَّدة مسؤولة عن الاستيعاب اللغوي في الدماغ، ولكن تبيَّن أنَّ معالجة المعطيات اللغوية تحفِّز مناطق واسعة في نصف الكرة المخية الأيسر، وهي تتركز تركُّزاً خاصاً في الفص الصدغي الأيسر، ولا حاجة للخوض في علم تشريح الأعصاب لتحسين عمليات التواصل بين الأفراد، ولا يتعلق الموضوع بالمناطق الدماغية التي ينبغي تنشيطها، ولا بالعمليات التي تجري ضمن دماغ الفرد؛ بل بنمط النشاط العصبي الذي يختبره المتحدثان، وهو ما يُطلَق عليه اسم “التزامن العصبي”.
“التزامن العصبي” هو حالة تزامن النشاطات العصبية في دماغَي المتحدث والمستمع، ما يعني أنَّ المتحدث يجب أن يستخدم أسلوباً لغوياً يساعد على نقل نمط النشاط العصبي المتشكِّل في دماغه إلى الآخرين، وتَمثُّل كل فكرة بنمط معيَّن من النشاط العصبي سواء كانت ذكرى من طفولتك، أم مفهوماً ما، أم تجربة حديثة تعرَّضت لها.
تقتضي وظيفة المتحدث تلقين هذا النمط للمستمع، فيعتمد مستوى فهم المتلقي للمعنى المراد على درجة تشابه نشاطه العصبي مع النمط المتشكِّل في دماغ المتحدث؛ أي يجب مشاركة الأفكار بطريقة تحفِّز دماغ المستمع على تكرار النشاط العصبي الداخلي نفسه المتشكِّل في دماغ المتحدث، وترتبط مهارات التواصل بقدرة الفرد على نقل نمط نشاطه العصبي إلى الآخرين.
بيَّنت نتائج الأبحاث العلمية أنَّ مستوى التفاهم بين المتحدثين يعتمد اعتماداً مباشراً على درجة التزامن العصبي بين دماغيهما، مع العلم أنَّ حالات سوء التفاهم والتواصل تحدث حدوثاً طبيعياً بين الأفراد، وكشفت نتائج دراسة بحثية أخرى أنَّ التزامن العصبي بين المعلم والطلاب يؤثر في درجة استيعابهم، وقدرتهم على ترسيخ المعلومات، والنتائج النهائية للبرامج التعليمية.
كما تبيَّن أنَّ مستوى التزامن العصبي بين الوالد والطفل خلال وقت اللعب يؤثر في نتائج التعلم والنمو العقلي التي يحقِّقها الطفل؛ أي باختصار، يساعد التزامن العصبي على زيادة قدرة الفرد على مشاركة أفكار واضحة، ومفهومة، وقابلة للترسخ في ذاكرة المتلقي، وهنا يبرز السؤال الآتي: كيف يمكن أن تستفيد الشركات من ظاهرة التزامن العصبي؟
تعبِّر ظاهرة التزامن العصبي في أوساط العمل عن قدرة الفرد على إدراك نهج اللغة الخاص بالطرف المقابل.
شاهد بالفيديو: 7 أخطاء شائعة في التواصل في العمل
التواصل في أوساط الأعمال التجارية
يقتضي تطبيق مفهوم “التزامن العصبي” أن تتوقَّع كيف سيتلقَّى الطرف المقابل رسالتك ويؤوِّلها، ويستخدم الأفراد في محادثاتهم اليومية مجموعة متنوعة من المفردات، والمصطلحات، واللهجات العامية، والمجازات، فهذا يجعل المحادثات اليومية ممتعة من جهة، ويزيد من صعوبة التواصل الواضح من جهة أخرى.
يجب أن يعرف الفرد الأنماط اللغوية التي يستخدمها الطرف المقابل لكي يتمكَّن من نقل أفكاره إليه بفاعلية، وتكمن صعوبة التواصل في أوساط الأعمال التجارية في حجم الشريحة المستهدفة؛ أي إنَّ الشركة تحتاج لنقل رسالتها إلى عدد كبير جداً من الأفراد، ويمكن تطبيق أسس التواصل الفردي في أوساط الأعمال التجارية أيضاً.
من الطبيعي أن تحدث حالات سوء الفهم في بعض الأحيان، ومع ذلك، يتفوَّق التواصل الإنساني من حيث فاعليته وجودته على كافة أنواع التواصل الأخرى، ونتيجة لذلك تستطيع العلامات التجارية أن تستفيد من علم التزامن العصبي في تحسين جودة التواصل مع الجمهور المستهدف، وكثيراً ما تغفل الشركات عن تطبيق مبادئ التزامن العصبي في استراتيجيات التسويق رغم فاعليتها وأهميتها في بناء العلاقة مع الجمهور المستهدف،
تقتضي الخطوة الأولى لتطبيق مبادئ التزامن العصبي إدراك الميول اللغوية للشريحة المستهدفة؛ أي ينبغي أن تحدِّد المفردات والأساليب اللغوية الشائعة بين جمهورك المستهدف، والمفاهيم الثقافية الشعبية المستخدمة في أحاديثهم، فتساعد هذه المعلومات على نقل الرسالة لأفراد الجمهور المستهدف بطريقة تحفِّز أدمغتهم على تكوين النشاط العصبي المطلوب لتحقيق أهداف الحملات التسويقية.
في الختام
يمكن الاستفادة من مبادئ التزامن العصبي في تحسين جودة التواصل، وذلك من خلال تحديد أساليب وأنماط التواصل الشائعة بين أفراد الجمهور المستهدف من أجل صياغة المحتوى الترويجي بلغتهم، ويتَّسم علم نفس اللغة والتواصل بالتعقيد، ولكن يمكن تطبيقه في استراتيجيات التسويق بسهولة، وذلك من خلال الاستفادة من مبادئ علم الأعصاب عند إعداد المحتوى الترويجي الموجَّه للجمهور المستهدف.