خالد أبو الليل يكتب: مشروع وصف مصر المعاصرة
في عام 2028، يمر مائتا عام بالتمام والكمال على إصدار “موسوعة وصف مصر” التي شارك في إعدادها مجموعة من علماء الحملة الفرنسية، الذين تجاوز عددهم مائتي عالم فرنسي، طافوا وجالوا وجابوا كل شبر من أرض المحروسة، بهدف التعرف على مناحي الحياة المختلفة للمصريين (الدينية والاجتماعية والسياسية والزراعية والتجارية والموسيقية والطبية).
وإذا كان الهدف الذي أعلنه نابليون بونابرت- قائد الحملة الفرنسية- آنذاك، يتمثل في رغبته في تنمية مصر، وتحسين حال المصريين وأوضاعهم، فإن الهدف المضمر، غير المعلن عنه، هو محاولة السيطرة العسكرية على المصريين، من خلال التعرف على حياتهم وتفاصيلها المختلفة. وهذا هو ما كشفه الناقد الفلسطيني الأصل إدوارد سعيد في كتابه المهم عن الاستشراق، الذي خلص فيه إلى أن دافع السيطرة على الشرق هو من وجه بالمستعمر- الذي هو بونابرت في حالة مصر- للدفع بعلمائه ناحية الشرق للتعرف على أحواله قبل إرسال حملته العسكرية، فمن يمتلك المعرفة- بحسب إدوارد سعيد- يمتلك القدرة على السيطرة العسكرية والسياسية. وفي ضوء توجه القيادة السياسية المصرية مؤخرا، نحو تنمية القطر المصري، ورغبة منها في تطوير حياة المصريين، على نحو ما تبدى في عدد من المشاريع القومية المهمة، يأتي على رأسها مشروع “حياة كريمة”، و”مائة مليون صحة” وغيرهما، تولد حلم لدي منذ فترة لا تقل عن ثلاثة أعوام، في أن أتشارك مع مجموعة من العلماء والباحثين المصريين متنوعي التخصصات (التاريخ والجغرافيا والاجتماع وعلم النفس والآثار واللهجات والزراعة والطب البشري والطب البيطري والتجارة والموسيقى والإعلام) لنقوم بإعداد موسوعة رقمية عن مصر المعاصرة، نطوف من خلالها كل أنحاء مصر، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، للتعرف على الواقع الحقيقي للمصريين، بهدف تحقيق عدد من الأهداف، منها:
أولا: تقديم ما يشبه بالدليل الإرشادي للقيادة السياسية في مشروعاتها التنموية بحيث يمكنها التعرف على المناطق الأكثر فقرا واحتياجا، وكذا طبيعة كل منطقة جغرافية، سواء من حيث طبيعتها التاريخية والجغرافية والزراعية والصناعية والحرفية والصحية والدينية …. إلى غير ذلك. ومن خلال ذلك يتمكن صانع القرار من تقديم الدعم لمستحقيه مثلا، وكذلك استثمار قدرات أبناء كل منطقة بما تمتلكه من مقومات تنموية، فينشئ مشروعاته بناء على هذا المسح. فبعض المناطق تزدهر بها حرف ومهن شعبية، مثل صناعة الفخار والخزف والكليم والحصر والتلي، فعندما يتم تحديد ما يشبه بالأطلس القومي- الذي سيكون أحد عناصر هذا المشروع- عندئذ تتمكن الدولة من تطوير حياة أبناء هذه المهن، لتصبح مثل هذه الصناعات الثقافية مصدرا من مصادر الدخل القومي، وكذلك مصدرا من مصادر تنمية حياة أبناء هذه المهن، وهو ما سبق أن أفادت منه الصين في محاولتها مواجهة أزمة زيادتها السكانية، من خلال استثمار قدرات أبنائها بما ورثوه من مهن وحرف تقليدية. كذلك عندما ترغب الدولة في القضاء على أحد الأوبئة سيكون لديها الدليل الإرشادي الذي يمكنها من خلال هذه الموسوعة التعرف على أماكن انتشار الأوبئة أو المناطق التي تخلو منها.
ثانيا: التعرف على الثابت والمتغير، والأصيل والوافد، في حياة المصريين، خلال المائتي عاما الماضية، وذلك من خلال رصد عادات المصريين ومعتقداتهم ومعارفهم وتقاليدهم .
وتنبغي الإشارة إلى أن هناك محاولات سبق أن اهتمت بالإشارة إلى ضرورة العمل على أن نشرع في إعداد موسوعة لوصف مصر، على نحو ما نجد في وصف مصر بالصور للكاتب شريف عبد المجيد، وكذلك فيما قدمه الشاعر والباحث مسعود شومان، خاصة إبان فترة رئاسته لتحرير مجلة الثقافة الجديدة، ولكن ما نؤكد عليه أن فكرة مشروعنا المقترحة مختلفة، سواء من حيث أهدافها أو منهجيتها.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل من جهة وطنية ممولة لهذا المشروع الضخم والمهم والمفيد في طريق مواصلة مشروعات تنمية مصر في ضوء رؤية مصر 2030؟