الزينى بركات.. كواليس كتابة أشهر روايات جمال الغيطانى
تمر، اليوم، ذكرى ميلاد الروائى الكبير جمال الغيطانى، وهو أحد أبرز كتاب الرواية العربية، وهو واحد ممن قادتهم الموهبة إلى بلاط صاحبة الجلالة وفرضته على الساحة الأدبية كأحد أهم الأدباء فى مصر والعالم العربي، أحد أبرز الأصوات الروائية العربية فى نصف القرن الأخير.
أصدر الغيطانى عشرات الأعمال ما بين التاريخ والقصة والرواية، من أشهر تلك الروايات على الإطلاق هى روايته “الزيني بركات”.
ورواية “الزينى بركات” أحد أهم الروايات البارزة فى الروايات العربية، التى صدرت عام 1974، وجسدت تجربة معاناة القهر البوليسى فى مصر، حيث كانت تدور حول شخصية تدعى “الزيني” والذى كان يعمل كبيرا للبصاصين، أى رئيسا للمخبرين، فى عهد السلطان الغورى أوائل القرن العاشر الهجرى، وهى فترة كان الشعب يعانى فيها من سطوة السلطان وصراع الأمراء واحتكار التجار وعيون البصاصين، فكانت الرواية نموذجاّ من نماذج القهر والاستبداد التى تعرض له المصريين فى هذه الفترة.
رواية الزينى بركات للكاتب الراحل جمال الغيطانى
وترجمت رواية “الزينى بركات” إلى الألمانية والفرنسية عام 1985 بعد أن حققت صدى طيباً فى وسط الدوريات الثقافية فى العالم، كما تحولت الرواية إلى مسلسل مصرى تاريخى من إخراج يحيى العلمى وبطولة أحمد بدير ونبيل الحلفاوى.
كشف الكاتب الكبير جمال الغيطاني، عن كواليس كتابة أشهر رواياته “الزيني بركات”، والتي تعد استعارة لعهد عبدالناصر وتتحدث عن دسائس المخابرات وتدور أحداثها في القرن السادس عشر.
وقال الغيطاني في حوار نادر له، نشر في إحدى المجلات عام 1992: “عندما بدأت التفكير في هذه الرواية لفتت نظري في كتاب “بدائع الزهور في وقائع الدهور” لابن إياس، شخصية حقيقية موجودة في الكتاب وهو الزيني بركات بن موسى محتسب القاهرة، الذي كان من كبار موظفي الدولة، ويذكر ابن إياس في آخر صفحات كتابه قبل وفاته، إن الزيني بركات ما زال نجمه في طلوع وسعده في سُطُوع، ولك أن تتخيل غرابة هذا الأمر إذا علمت أن الدولة كانت قد تغيرت تمامًا من الدولة المملوكية التي كانت سلطنة مستقلة إلى دولة ما بعد الهزيمة، حين أصبحت مصر ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية، وكانت الشخصية مهمة جدًا في الدولة المملوكية وأصبح في الوضع الجديد شخصية مهمة أيضًا وفي نفس المنصب، إذن لقد وجدت نفسي أمام شخصية انتهازية من طراز فريد، وكنت ألاحظ آنذاك شخصية الانتهازي التي نمت في الستينيات، وهو انتهازي يختلف عن محجوب عبدالدائم الانتهازي التقليدي لنجيب محفوظ (في القاهرة الجديدة) في الستينيات ظهر نوع من الانتهازي الجديد، وكنت أراقب بالتحديد شخصية معينة في واقع الحياة الأدبية، كان يسعى إلى السلطة من خلال التقرب إليها وحتى الارتباط الشخصي بامرأة تمت بصلة إلى أحد الكبار”.
وأضاف الغيطاني: وبدأت كتابة الرواية على هذا النمط، لكن فى الحقيقة بعد أن بدأت الكتابة فُوجئتُ بأنّ هنالك موضوعًا آخر يطرح نفسه من خلال العمل (الروائي)، وهو موضوع القهر الذي تمارسه السلطة على الفرد وهذا الموضوع عانيناه في الستينيات، وكان من سلبيات التجربة الاشتراكية في مصر في ذلك الوقت وأصبح هذا الموضوع سيد الموقف في الرواية، إلى درجة أنّني عايشتُ الزيني بركات في مخيلتي فترة طويلة قبل الكتابة، وعندما بدأت كتابة الرواية وجدت أنني لا أستطيع أن أواجهه، ولذلك تجد أن الزيني بركات في الرواية لا يظهر في مشهد مباشر إلا مرة واحدة فقط، وهي مرة سريعة عندما يلتقي بزكريا بن راضى فى المنزل.. ولكن كل ما نراه من الزيني بركات نراه من خلال الآخرين.. نرى ردود أفعاله، ولكن لا نعرف ما يفعل بالتحديد في تلك اللحظة، فتلك شخصية مركبة ومعقدة جدًا، أساسها في المواقع، لا يمت بصلة إلى ما انتهت إليه الرواية، إذن هناك دائمًا بذرة في الواقع”.