الزواج عند البشر
دخلت حنان إلى المحاضرة وكأنها تشارك في مسابقة ملكة جمال الكون. شعرها الأسود الطويل يصل إلى ما بعد وركها ومشيتها تشبه مشية الجمل حيث أثدائها تمشي أمامها بينما كعبها العالي يرفع مؤخرتها ويحدب ظهرها. لفتت نظر زميلها رامي فصار يعاينها ويقيم جمالها. رامي لا يستطيع ألا ينظر ويعاين حنان وإن احتاج ذلك أن يسرق النظر لبعض ثوان ثم يمثل وكأنه يقرأ من كتابه.
ماذا يجري هنا؟ هل أنا بصدد أن أصبح نزار القباني؟ بالطبع لا فإن نزار القباني شاعر يكتب عن جينات إناث القرود العليا ويمدح خصائصها ويعظم من الإشارات الجينية التي تؤكد قدرة الأنثى على الإنجاب والتكاثر. ما تفعله حنان هو أنها تعزز من فرصها في العثور على شريك جيني يضمن لها إنجاب أطفالها والعناية بهم. شعرها الطويل ليس إلا إشارة على أنها بصحة جيدة وأن جيناتها تمكنها من أن ينمو شعرها دون أن ينقسم. كعبها العالي يبالغ بطول قامتها فتخدع شريكها بأنها ذات طول لا بأس به. أدوات التجميل التي تستخدمها على وجهها هدفها تعظيم جيناتها وإخفاء بعض العيوب التي قد يرصدها الشريك. هذا النوع من تعظيم الجينات ليس غريب عن بقية الكائنات الحية حيث تقوم جميع الأنواع بخداع شركائها عن طريق ابراز محاسنها الجينية. الطيور تغرد بصوت عال وتقوم بنغمات مختلفة لتعلن لشركائها المحتملين أنها تمتلك جينات تستحق التكاثر بعضها الأخر. ذكور الحيوانات الاجتماعية التي تعيش ضمن قطعان تقوم بعرض قوتها ومكانتها ضمن الهيكلية الاجتماعية في المجموعة. طبعاً تختلق الاستراتيجيات بين الأنواع لكن الغاية هي نفسها والتي تتمثل بإنجاح عملية التكاثر واستمرار هذه الجينات عبر الأجيال.
جميع الكائنات تطورت بأن تقوم بمسح جيني لشركائها وكل نوع من الأنواع يبحث عن ميزات مختلفة بناء على ظروفه في البقاء. نظر رامي إلى حنان وشعر أنه الحب من أول نظرة. تخيل نفسه شريك حنان ضمن عش الزوجية. لكن كيف يجذب انتباهها؟ وماهي الميزات التي تبحث عنها حنان في شريكها المستقبلي؟
على رامي أيضاً عن يبرز جيناته الجيدة لحنان فمثلاً أسنانه يجب أن تبدو جميلة أي صحية وربما كثافة شعره وطول قامته وبنيانه العضلي. كل هذا مهم ضمن المسح الأولي لاختيار الشريك لكنه لا يكفي.
العلاقات الزوجية لدى البشر مبنية على ما يسمى نظرية الاستثمار الجيني حيث أن قيمة الخلايا الجنسية تحدد نوع العلاقة والعقود الاجتماعية التي يتوجب على الشركاء تنفيذها.
لدى كلا الجنسين خلايا جنسية (بويضة / حيوانات منوية). هذه الخلايا هي ما يحدد جنس الكائن. الكائن ذو الخلايا الجنسية الأغلى يعتبر أنثى والكائن ذو الخلايا الجنسية الأرخص يعتبر ذكر. ما أعنيه بكلمة أغلى وأرخص هو من الناحية البيولوجية طبعاً.
البويضات ذات كميات محدودة جداً مقارنة مع الحيوانات المنوية وتستهلك كمية أكبر من الموارد الغذائية لكي يتم انتاجها.
هذا التعريف مبسط جداً ويختلف عما يسمى الهوية الجنسية إذ أن الهوية الجنسية تحدث في الدماغ وليس في الأعضاء التناسلية للكائن.
عملية التكاثر تتم عبر تلاقح البويضة مع الحيوان المنوي. ما يحدث بعد هذا التلقيح مهم جداً لأن الموارد التي يحتاجها جسم الانثى هي أكبر بكثير من الموارد التي يحتاجها الذكر. في الحقيقة الذكر لا يحتاج أي موارد بعد عملية التلقيح ويستطيع تكرار العملية عدة مرات كل يوم مع إناث مختلفين لأن حيواناته المنوية رخيصة ومتوفرة وليس عليه أي أعباء بيولوجية بعد التلقيح. أما الانثى فبعد تلقيح بويضتها فعليها استثمار كم هائل من الموارد الغذائية لكي ينمو جنينها وعليها استثمار وقت طويل لا تستطيع خلاله من التكاثر.
هذا يعني أن الأنثى لديها استثمار أكبر من الناحية البيولوجية (بويضة) ومن الناحية الاقتصادية (موارد ووقت) ومن حيث الفرصة البديلة للتكاثر. أي وقت تصرفه الأنثى أثناء الحمل هو وقت لا تستطيع خلاله الحمل من جديد على عكس الذكر الذي يستطيع الاستثمار بشكل يومي دون أعباء اضافية.
العلاقات بين الاحياء منظومة ومحكومة بمدى الاستثمار الجيني الذي يحتاجه الكائن لإنجاح عملية التكاثر. استراتيجية الذكر هي أن يلقح أكبر عدد ممكن من الإناث لأن هذا يعني فرص أكبر في نشر جيناته للأجيال القادمة. كما ذكرت سابقاً، بالنسبة للذكر العملية جداً مربحة فإن العلمية الجنسية عملية ممتعة ونتائجها رخيصة من حيث الموارد وتضمن استمرار الجينات عبر الأجيال.
بالنسبة للأنثى فإن العملية الجنسية عملية ممتعة لكنها مكلفة وثمينة من حيث الموارد والوقت. كل عملية جنسية تعني استثمار هائل من الموارد والوقت. لذلك على الأنثى اختيار شريكها بحذر وانتقاء الذكر المستعد على البقاء ضمن عش الزوجية لمساعدتها في تأمين الموارد والعناية بالصغار. طبعاً تختلف استراتيجيات إناث الأحياء بناء على معطيات الحمل والموارد اللازمة لإنجاح عملية الولادة.
مثلاً الأسماك تتبع استراتيجية بنشر أكبر عدد ممكن من البيوض بحيث أن نسبة من هذه البيوض وحتى إن كانت ضئيلة ستنمو وتصبح أسماك بينما أنثى الفيل عليها أن تحمل الجنين لأكثر من سنة ونصف ثم تقوم بالولادة والعناية بطفلها لعدة شهور اضافية حتى يستطيع الاعتماد على نفسه بينما أنثى الإنسان عليها الحمل ٩ شهور تقريباً وذلك قبل أن ينمو رأس الجنين ويصبح أكبر من المرور من خلال الرحم وثم الفرج.
تفاعل الاستراتيجية الذكرية (لقح وأمشي) والاستراتيجية الأنثوية (انتقي شريكك بعناية) ينتج عنها استراتيجية جديدة أو ما نسميها عقد الزواج. هذه الاستراتيجية تقول ان على الذكر صرف موارد اقتصادية كبيرة من طاقة وتأمين غذاء بحيث يكون استثمار الذكر متوازي مع استثمار الأنثى.
هذه الاستراتيجية مرهونة بعدم قبول الإناث ممارسة الجنس مع الذكور إلا إذا قدموا استثمارات اقتصادي (موارد ورعاية للأطفال) مما يجعل استراتيجية الذكر (لقح وأمشي) استراتيجية غير ناجحة من ناحية استقطاب الإناث. الإناث التي تقبل بالتكاثر مع الذكر دون مقابل مادي من موارد وعناية بالأطفال (حماية) قد تجد نفسها معرضة لخطر أن تخسر حياتها وحياة جنينها بالمقارنة مع الإناث التي تتأكد أن تأخذ استثمار مقابل من الذكر قبل العملية الجنسية وأثناء العناية بالأطفال.
مثلاً إناث بعض الطيور لا تسمح للذكر بالتلقيح إلا بعد أن يستثمر الذكر وقت وجهداً في بناء عش لتعيش فيه العائلة. هذا الاستثمار يجعل من العملية الجنسية عملية مكلفة بالنسبة للذكر مما يضمن للإناث بقاء الذكر بعد عملية التلقيح لأنه لن يجد شركاء أخريات مستعدة أن تمارس معه الجنس قبل أن يبني عش جديد وهذا يعتبر عمل مضني ومجهد بالنسبة للذكر.
طيور التعريشة Bowerbirdsتمتاز بأعشاشها المليئة بالأغراض والمقتنيات التي يقوم الذكور باقتنائها ووضعها في أعشاشهم في سبيل استقطاب الإناث واغرائهن على الزواج منهم. المثير للفضول في الموضوع أن الإناث يقمن بمعاينة الأشياء الموجودة ضمن العش وبناء على فحص دقيق لهذه المقتنيات نتخذ الأنثى قرارها إما بمشاركة الذكر عش الزوجية أو لا.
بالعودة إلى رامي وحنان فإن المسح الجيني الأولي قد يكون ناجح فيما بينهما لكنه لا يكفي لاتخاذ قرار الزواج. على رامي أن يظهر لحنان أنه يمتلك جينات وموقع اجتماعي يضمن بقاء أبنائها حتى يستطيعوا هم بدورهم التكاثر واستمرار جينات رامي وحنان عبر الأجيال. إذا نجح رامي بإثبات كفائتة الأبويةيصبح لديهما مشروع مشترك. هذا المشروع المشترك هو الأطفال (50% من الأم و50% من الأب). الذكر مستعد لصرف الموارد والرعاية مقابل الاستثمار البيولوجي الذي تقدمه الانثى.
عملية الحمل بالنسبة للأنثى هي علامة واضحة وصريحة أنها سوف تنجب أطفال وهي تستطيع تحديد أن الجنين لها 100% لأن الحمل يحدث داخل جسمها. أما الذكر فمهما كان متأكد فهو لن يكون متأكد 100% أن الجنين هو نتيجة تلقيح حيواناته المنوية وليس نتيجة نطاف ذكور آخرين. لهذا نجد من وجهة نظر الاستثمار الجيني للذكور فإن أسواء سيناريو هو أن يصرف موارده على أطفال ذكور آخرين فيكون يعمل على نشر جيناتهم على حساب جيناته أما بالنسبة للأنثى فإن أسواء سيناريو بالنسبة لها وإلقاحها من ذكر لا يبقى معها ويساعدها في تأمين الموارد ورعاية الصغار.
غيرة الرجل تتعلق بالحالة الفيزيائية للأنثى. ابقاء جميع الذكور الآخرين بعيدين عن شريكته بحيث يضمن أن اي حالة حمل تخصه هو وأن الصغار القادمين هم أطفاله (لأنه لا يستطيع التأكد 100% أنه هو المسؤول عن الحمل). بالنسبة للأنثى نجد ان غيرتها تتعلق باهتمام الذكر. الانثى تعلم أن اهتمام الذكر محدود وأن هذا الاهتمام هو ما يترجم إلى موارد وأي عنصر يقارعها على هذا الاهتمام هو عنصر يشكل خطر على مواردها وموارد أطفالها ولهذا نجد ان غيرة الأنثى تتركز على الناحية العاطفية للذكر. عاطفة الذكر يجب أن تتركز على الاستثمار الأبوي مع الأنثى وألا يشاركها أحد بهذا الاستثمار.
إذاً الذكر يغار بشكل فيزيائي لا يسمح لأحد من الاقتراب من شريكته. بينما تغار الأنثى بشكل عاطفي عن طريق ابعاد أي عنصر حتى وإن لم تكن أثنى أخرى ممكن أن تأخذ من اهتمام شريكها وبالتالي موارده.
من الواضح لدينا الآن أن الزواج هي عملية هدفها تنظيم المشروع الجيني بين الذكر والانثى. هذا التنظيم هدفه ضمان تحمّل الذكر مسؤولياته المتعلقة بالموارد ورعاية الاطفال بينما تتقبل الأنثى الاستثمار الجيني مع الذكر لإنجاب أطفالهما. لهذا نجد ان أهل العروس غالباً يهتمون بشكل أساسي على موارد العريس ومستقبل ابنتهم من الناحية الاقتصادية بينما يركز أهل العريس على جينات العروس (جمالها) وأخلاقها وعدم قابلية ممارستها الجنس مع ذكور آخرين.
العلاقة الزوجية من منظور الذكر والأنثى:
كما ذكرت سابقاً الذكر لديه استراتيجية تقول استثمر نطافك مع أكبر عدد ممكن من الإناث و ذلك لرخص هذا الاستثمار الجيني. لما لا؟ خمس دقائق قد تساهم في نشر جيناته عبر الجيل القادم دون أي استثمار يذكر. عندما يجد الذكر انثى مستعدة للممارسة الجنسية دون المقابل الذي ذكرته تصبح استراتيجيته كالاتي: استثمر جينياً مع هذه الأنثى لكن بسبب سهولة الاستثمار الجيني معها (سهولة الممارسة الجنسية) لا تستثمر مواردك لأن هذه الأنثى تعتبر غير مضمونة من ناحية الحصرية في الاستثمار. في حال الحمل لا يعرف الذكر أن الجنين جنينه لأن الممارسة الجنسية كانت سهلة نوعياً مع تلك الأنثى مما يعني عدم ضمان الذكر الحصرية في الاستثمار الجيني معها.
لهذا نجد الذكور مستعدين للممارسة الجنسية في أي وقت لكنهم غير مستعدين للاستثمار الأبوي (الزواج) إلا في حال كانت الأنثى لا تبدي سهولة في قبول العملية الجنسية.
بالنسبة للأنثى:
بسبب القيمة الغالية للإنجاب فيجب على الأنثى ألا تستثمر بويضاتها مع الذكور الذين يبدون استعدادهم في صرف مواردهم مع أي اناث مستعدتن للممارسة الجنسية. عليها اختيار الشريك الذي سيستثمر موارده ويعمل على رعاية أطفالها لسنين طويلة. على الأنثى أن توازن بين جذب الذكر وانتقائه دون الوصول للممارسة الجنسية إلا بعد استثمار الذكر كمية لا بأس بها من الموارد بحيث تجعل عملية انسحابه بعد الممارسة الجنسية عملية خاسرة اقتصادياً له (تذكر مثال الطيور وبناء العش). لهذا نجد في أغلب المجتمعات البدائية أخلاقياً أن تقييم فحولة الرجل هو على أساس عدد الإناث التي يستطيع الذكر اقامة علاقة معهن واعتبار رقي الأنثى متعلق بحشمتها ومدى متانة استثمارها الأبوي اتجاه أطفالها.
تشريع وترسيخ الغرائز الذكرية ضمن القوانين الدينية الإسلامية:
– السماح بتعدد الزوجات للذكور
– فرض لباس معين على الإناث (حجاب)
– فصل الإناث عن الذكور ومنع الاختلاط بينهما.
– المهر قبل الزواج لضامن استثمار الذكر قبل الممارسة الجنسية.
*المؤخر: نجد أن المؤخر (قيمة مالي تدفع في حالة الطلاق) مرتبط مباشرة بالممارسة الجنسية في حال تم الطلاق.
غيرة المرأة هي حالة غريزية تدفعها أن تعمل كل ما باستطاعتها على منع زوجها من أن يحب امرأة آخرى أو أن يبدي اهتماماً زائداً بأي موضوع قد يساهم في تبديد موارده. الأنثى تغار من أي شيء يشكل تهديداً على موارد زوجها التي يتوجب صرفها عليها وعلى أطفالها فقط.
غيرة الرجل تتجسد في أن تكون زوجته بعيدة عن أي علاقة فيزيائية مع ذكور آخرين لأن ذلك يشكل أفضل ضمان له أن جميع حالات الحمل هي له ولذلك نجد أن عذرية المرأة هي عامل مهم ومؤثر جداً في موضوع الزواج عند المجتمعات البدائية.
كيف نقرأ هذه الغيرة في العلاقات المثلية لدى الذكور؟
من أحد المشاكل التي يتعرض لها الأشخاص المثلين جنسياً (الذكور تحديداً) هي عدم الاستقرار العاطفي.
الذكور المثلين لديهم توجه جنسي يجعلهم ينجذبون لنفس جنسهم وهذا مفهوم من الناحية الجنسية الدماغية لكن يوجد مشكلة لا يتم التنويه إليها وهي تتعلق بالناحية العاطفية لدى المثلين الذكور وأعتقد أنه يجب تسليط الضوء عليها أكثر.
استراتيجية ذكرية مع استراتيجية ذكرية:
بالنسبة للذكور المثلين هم على الرغم من انجذابهم للذكور إلا أن الاستراتيجية الجنسية لديهم هي نفسها. هذا يعني أنه يوجد لدينا ذكور لديهم استراتيجية تقتضي الممارسة الجنسية مع أكبر عدد ممكن من الشركاء وذلك بهدف نشر الجينات بأكبر شكل ممكن بينما الاستراتيجية الدفاعية التي تعمل على ابعاد الشريك عن أي علاقات فيزيائية مع الأخرين. أغلب العلاقات المثلية بين الذكور تنهار بسبب الغيرة من تبادل الشركاء لأن الغيرة الذكورية مركزة على ابعاد الشريك عن أي شريك آخر لضمانة أن الأطفال هم أطفاله في الحالات المغايرة وفي الحالة المثلية فإن هذه الغريزة لا تزال تعمل لكن من قبل الطرفين مما يسبب عدم استقرار عاطفي لدى الجميع.
طبعاً هذا غير الضغوط الاجتماعية الأخرى الناتجة عن التمييز العنصري الموجه ضدهم في بعض المجتمعات المتخلفة أخلاقياً. لهذا السبب نجد أن أكثر العلاقات العاطفية المثلية لا تتكلل بنجاح طويل الأمد. ربما فهم هذه الاستراتيجيات الجنسية وفهم آليات العمل المرتبطة بالعلاقات العاطفية المثلية قد يساعد في تجاوز بعض العقبات الناتجة عن الغيرة وبالتالي انهيار العلاقات.
في النهاية سأترككم مع هذا السؤال الذي تم طرحه علي في أحد النقاشات:
ماذا تفعل لو كنت تمشي بالشارع ورأيت بنتك او اختك او بنت عمك تسير مع رجل لا خطيبها ولا زوجها وتضع يدها في يده؟
الذي سيحدث هو كالتالي:
سيستقبل دماغي اشارة بصرية تقول إن هذه الفتاة التي تضع يدها بيد ذكر غريب هي ابنتي.
سيتم تحليل هذه المعلومة ووضعها جانباً…
في نفس الوقت ستتحفز لدي غريزة تطورت خلال ٣٠٠ مليون سنة.
سيبدأ قسم اللوزة الدماغية Amygdalaبتفعيل جهاز الإنذار بوجود خطر. لكن ما هو الخطر؟
هذا الخطر يعود لغريزة قديمة تضمن لي حماية نسلي عبر الأجيال. الفكرة أن الأحياء لديها استراتيجيات متنوعة لتحقيق عملية التكاثر وانجاحها وبما أن ابنتي هي صاحبة الاستثمار الجيني الأغلى وهي تحمل ٥٠٪ من جيناتي (بويضة مقابل حيوان منوي) فإن منظر ابنتي تمسك بيد ذكر آخر يفعل اليات دفاعية في سبيل حماية استثماراتي الجينية.
طبعاً أولاد ابنتي (احفادي) هم استثمار جيني بالنسبة لي لأنهم يحملون نسبة لابأس بها من حمضي النووي و بالتالي أنا معني بانتقاء ذكر مناسب يضمن رعاية أبوية لهم. كل هذا المضمون الغريزي يتم تفعيله عصبياً ضمن الجهاز العصبي ويتم افراز بعض هرمونات التستوستيرون والأدرنالين كنتيجة لتفعيل الغريزة.
فجاءة يأخذ القسم الأمامي من الدماغ زمام الأمور مرة آخرى ويقول للعقل الزاحف (القسم الأسفل من الدماغ) لا عليك… أنا من يتحكم بهذا الظرف.
يقوم قسم المحاكمة العقلية باستحضار تجارب سابقة وكل ما هو متوفر من معلومات حول ابنتي خصوصاً والإناث عموماً وحول ما أعرفه عن ردة الفعل الغريزية التي قد تُفعّل بسبب رؤيتي لابنتي مع ذكر آخر.
المعلومات التي تم استحضارها تقول إن ردة الفعل الغريزية هذه على الرغم من أنها مبررة تطورياً إلا أنها غير مقبولة اجتماعياً وبما أننا نعيش في مجتمع انساني متحضر فعلي أن أخذ زمام الأمور وأن أتصرف برقي وتحضّر يعكس العقد الاجتماعي الذي قطعته مع نفسي بأن أحترم ابنتي وأتعامل معها كبشر لديها نفس الحقوق ونفس مشاعر الحب التي يمتلكها الذكر ونفس الرغبة بأنشاء علاقة مع شخص تحبه.
طبعاً هذا كله يحدث في أقل من ثانية… يقوم قسم تحليل المخاطر بتقييم الشاب ومسح جيناته بشكل عام (طوله، لون شعره، لون بشرته، صفة أسنانه الخ…) فيتم قبول ميزاته الجنينة بشكل مبدئي.
الخطوة التالي هي التحكم بأفعالي بحيث لا أضع أبنتي بموقف محرج فأقوم بإلقاء التحية بشكل عابر وثم أؤجل أي رغبة لدي في التعرف على الشاب إلى أن تقوم ابنتي بهذا الأمر.
طبعاً أنا قمت بتعليم ابنتي الكثير من الأمور منذ طفولتها وعملت على بناء شخصيتها بشكل مستقل بحيث تكون قادرة على اتخاذ القرارات الصائبة بنفسها وتحمّل مسؤولية أخطائها. (الافتراض أن ابنتي ليست في سن الطفولة)
أتمنى أن تكونوا قد حصلتم على بعض الفائدة من هذا المقال. أنا قمت بذكر عنواين عريضة بشكل مقتضب وأدعوكم في البحث أكثر حول جميع المحاور المذكورة هنا.