التحول في التعليم يبدأ بالمعلِّم
عندما نتحدث عن المعلم فإننا نذكر الأثر الطيب والقدوة الحسنة، والبصمة التي لا تنسى. مهما بلغ بنا العمر فإننا مازلنا نتذكر معلمنا الأول، ونسترجع بكل حب وامتنان كل معلم ترك لنا في ذاكرتنا قصصًا مليئة بالعلم النافع، والكلمة الطيبة، والنصيحة المفيدة، واليد الحانية، والفكر الملهم في كل محطة من محطات حياتنا..
كانت للمعلِّم وقفة مؤثرة فهذا المناضل المكافح الذي يصحو في الصباح الباكر محتسبًا عمله وجهده لوجه الله، مجددًا النِّية بأن يرزقه الرحمن الإخلاص في السر والعلن، ولا ينتظر جزاءً ولا شكورًا..
فمنذ دخوله بوابة المدرسة فإنَّه يغلق خلفه أبواب حياته الخاصة بما فيها من تعب وسهر وألم ومرض وضغوطات حياة والتزامات عائلية، وهو يشحذ الهمة، ويجدِّد عزمه على المضي قدمًا ليعلم طلابه من العلوم ما ينفعهم، ومن القيم ما يصقل شخصياتهم، ومن التعزيز ما يدعم تعلمهم، ومن التطوير المستمر لطرق التدريس وإستراتيجياته لتتناسب مع احتياجاتهم وأنماط تفكيرهم.
يناضل ما بين فصل ومنصة وندب وكثرة نصاب، يحاول جاهدًا بما أوتي من قوة أن يواكب التغيير، ويتسلح بمهارات القرن الحادي والعشرين؛ فهو لم يعد فقط تلك الشمعة التي تنير دروب الآخرين، بل أصبح هو نقطة التحول بالتعليم، وهو معلم الرؤية، هو الطاقة البشرية الملهمة، ومصنع للإبداعات المطورة وقوة التأثير على الأجيال الحاضرة والمستقبلية، وهو المؤتمن على عقول أبنائنا وتغذيتها.
عندما يعود أبناؤنا من المدرسة على اختلاف مراحلهم الدراسية فإنَّ الحديث يكون “ماذا فعل المعلم الفلاني؟ وكيف نظر إليه؟ وكيف شجعه؟ وكيف كان مزاجه اليوم؟ ومن عاتب اليوم ومن كافأ؟ فأنتم محور حديثهم ومحل تركيزهم.
فنحن نرى المعلم في عيون أبنائنا وفي حشرجة أصواتهم في التعبير عن حبهم وفي صدق تعبيرهم، مهما تطورت التقنية وتوفرت أدواتها وتعددت سبلها يبقى المعلم هو المحرك الأول لها. ونحن نحتفل هذا العام بيوم المعلم العالمي تحت عنوان “التحول في التعليم يبدأ من المعلم” نقدِّم له أصدق التحايا على عطائه اللامحدود، وعلى إنجازاته كل عام رغم تبدل الأحوال والظروف، وعلى قدرته اللامتناهية في بذل مزيدٍ من الجهد من أجل تفهم خصائص النمو النفسية والعمرية لطلابه في جميع مراحل التعليم.
شكرًا من القلب لكلِّ معلم على سعة حلمه وفيض صبره في تحمُّل شقاوة أبنائنا المزعجة، شكرًا على تفهمه لاحتياجاتهم ومراعاته المستمرة لاختلاف قدراتهم، وعلى حرصه الدائم على تحسين مستواهم الدراسي، وعلى مشاعر الأب وحنان الأم وحرص المربي الذي طالما احتويت به أبناءنا..
لم ولن ننسى عظيم فضلك فأرصدة العطاء لديك تزخر بكل إبداع مزهر وبكل نفع مثمر، فكلُّ عام وأنت المثل والقدوة، وأنت النبع الذي لا ينضب وأنت نقطة انطلاق التحول لرؤية وطن فَتِيٍّ.
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور العتيبي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.